فصل في النفس الناطقة
وأما النفس الناطقة الانسانسة فتنقسم قواها أيضا إلى قوة عاملة وقوة عالمة وكل واحدة من القوتين تسمى عقلا باشتراك الاسم فالعاملة قوة هي مبدأ محرك لبدن الانسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرؤية على مقتضى آراء تخصها اصلاحية ولها اعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية النزوعية واعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة واعتبار بالقياس إلى نفسها وقياسها إلى القوة الحيوانية النزوعية أن تحدث فيها هيئات تخص الانسان تتهيأ بها لسرعة فعل وانفعال مثل الخجل والحياء والضحك والبكاء وما أشبه ذلك وقياسها إلى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة هو أن تستعملها في استنباط التدابير في الأمور الكائنة والفاسدة واستنباط الصناعات الانسانية وقياسها إلى نفسها أن فيما بينها وبين العقل النظري تتولد الآراء الذائعة المشهورة مثل أن الكذب قبيح والظلم قبيح وما أشبه ذلك من المقدمات المبينة الانفصال عن العقلية المحضة في كتب المنطق - وهذه القوة هي التي يجب أن تتسلط على سائر قوى البدن على حسب ما توجبه أحكام القوة الأخرى التي نذكرها حتى لا تنفعل عنها البتة بل تنفعل هي عنها وتكون مقموعة دونها لئلا يحدس فيها عن البدن هيئات انقيادية مستفادة من الأمور الطبيعية وهي التي تسمى أخلاقا رذيلية بل أن تكون غير منفعلة البتة وغير منقادة بل متسلطة فيكون لها أخلاق فضيلية وقد يجوز أن تنسب الأخلاق إلى القوى البدنية أيضا ولكن إن كانت هي الغالبة تكون لها هيئة فعلية ولهذه هيئة انفعالية فيكون شيء واحد يحدث منه خلق في هذا وخلق في ذلك وإن كانت هي المغلوبة يكون لها هيئة انفعالية ولهذه هيئة فعلية غير غريبة أو يكون الخلق واحدا وله نسبتان وإنما كانت الأخلاق عند التحقيق لهذه القوة لأن النفس الانسانية كما يظهر من بعد جوهر واحد وله نسبة وقياس إلى جنبتين جنبة هي تحته وجنبة هي فوقه وله بحسب كل جنبة قوة بها تنتظم العلاقة بينه وبين تلك الجنبة فهذه القوة العاملة هي القوة التي لها بالقياس إلى الجنبة التي دونها وهو البدن وسياسته وأما القوة النظرية فهي القوة التي له بالقياس إلى الجنبة التي فوقه لينفعل ويستفيد منه ويقبل عنه وكأن للنفس منا وجهين وجه إلى البدن ويجب أن يكون هذا الوجه غير قابل البتة أثرا من جنس مقتصى طبيعة البدن ووجه إلى المبادئ العالية ويجب أن يكون هذا الوجه دائم القبول عما هناك والتأثير منه هذا. وأما القوة النظرية فهي قوة من شأنها أن تنطبع بالصور الكلية المجردة عن المادة فإن كانت مجردة
Página 136