Nahj Haqq
نهج الحق وكشف الصدق
Géneros
المطلب العاشر في أنا فاعلون
اتفقت الإمامية (1) والمعتزلة على أنا فاعلون وادعوا الضرورة في ذلك فإن كل عاقل لا يشك في الفرق بين الحركات الاختيارية والاضطرارية وأن هذا الحكم مركوز في عقل كل عاقل بل في قلوب الأطفال والمجانين فإن الطفل لو ضربه غيره بآجرة تؤلمه فإنه يذم الرامي دون تلك الآجرة ولو لا علمه الضروري بكون الرامي فاعلا دون الآجرة لما استحسن ذم الرامي دون الآجرة بل هو حاصل في البهائم. قال أبو الهذيل حمار بشر أعقل من بشر لأن الحمار إذا أتيت به إلى جدول كبير فضربته لم يطاوع على العبور وإن أتيت به إلى جدول صغير جاز لأنه فرق بين ما يقدر عليه وما لا يقدر عليه وبشر لا يفرق بينهما فحماره أعقل منه. وخالفت الأشاعرة في ذلك وذهبوا إلى أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى (2).
(1) لا يخفى على من تتبع كتب الامامية: أنهم يبطلون الجبر، خلافا للأشاعرة، ويبطلون التفويض خلافا للمعتزلة، كما استفاض، بل تواتر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
«لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين»، فنفوا حقيقة الجبر، وحقيقة التفويض بنفي الجنس فيهما. وفسروا عليهم آلاف التحية والثناء الأمر بين الأمرين: بأنه الملكية الواقعية (التي لا ترديد في تحققها، بضرورة العقل والوجدان) للقدرة والاستطاعة التي يملكها العباد، بتمليك الله تعالى لهم إياها، وهو أملك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فباذنه تعالى شأنه يتصرف الانسان فيه، ويوجد ما اختاره من الفعل أو الترك. قال تعالى:
«لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» البقرة: 286. وقال تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا» التغابن: 16 وغيرهما من الآيات.
(2) الملل والنحل ج 1 ص 97 شرح العقائد قفتازاني ص 123.
Página 101