وربما صادف القائل مع ذكائه وكثرة قراءته وجودة اعتباره، زمانا أكثر عجبا، وأكثر معتبرا، وإن كانت شهوره أقل، وأيامه أقصر، فينال مع قلة الأيام ما لا ينال سواه مع كثرتها، ولا سيما إذا أعين بحفظ، وأحس من نفسه بفضل بيان.
وليس من نظر في العلم على الرغبة والشهوة له كمن نظر فيه على المكسبة به والهرب إليه؛ لأن النفس لا تسمح بكل قواها إلا مع النشاط والشهوة، وهي في ذلك لنفسها مستكرهة ولها مكابدة. والسآمة إلى من كانت هذه صفته أقرب، وله ألزم. ولولا ذلك لما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل اليمن، وجعل إليه قبض الصدقات، ومحاسبة العمال، وقلده الأحكام وتعليم الناس الإسلام، وهو ابن ثماني عشرة سنة. ولا يدفع ذلك صاحب خبر ولا حامل أثر.
وعلى مثل ذلك عقد لأسامة بن زيد الإمرة، وأبانه بالتقدمة على جلة الأنصار وكبار المهاجرين، وخيار السلف المتقدمين.
Página 296