132

[الثاني] : فصل في الإجماع هل هو حجة في شيء

* مخصوص أو في كل شيء؟

اعلم أن كل شيء أجمعت عليه الأمة لا بد من كونه غير خطأ ، وإن لم يكن خطأ ، فلا بد من كونه صوابا ، وما هو صواب على ضربين : فمنه ما يصح أن يعلم بإجماعهم ، وهذا القسم هو الذي يكون إجماعهم حجة فيه. فأما ما لا يمكن أن يعلم بإجماعهم ، فقولهم ليس بحجة فيه وإن كان صوابا ، وكون الشيء حجة كالمنفصل من كونه صوابا ؛ لأن كونه صوابا يرجع إليه ، وكونه حجة يرجع إلى غيره.

فأما الذي يكون إجماعهم فيه حجة فهو كل أمر صح أن يعلم بإجماعهم. والذي لا يصح أن يعلم بإجماعهم ما يجب أن تتقدم معرفته على معرفة صحة الإجماع ، كالتوحيد والعدل وما أشبههما وإذا كنا إنما نرجع في كون الإجماع حجة إلى قول الإمام المعصوم الذي لا يخلو كل زمان منه ، فيجب أن نقول : كل شيء تقدمت معرفة وجوب وجود الإمام المعصوم في كل زمان له ، فقول الإمام حجة فيه ، والإجماع الذي يدخل هذا القول فيه أيضا حجة في مثله. فأما ما لا يمكن المعرفة بوجود الإمام المعصوم قبل المعرفة به ، فقوله ليس بحجة فيه ، كالعقليات كلها.

والذي يمكن على أصولنا المعرفة به من طريق الإجماع أوسع وأكثر مما يمكن أن يعلم بالإجماع على مذهب مخالفينا ؛ لأنهم إنما يعلمون بالإجماع الأحكام الشرعية خاصة ، ونحن نتمكن من أن نعلم بالإجماع زائدا على ذلك فرضا وتقديرا النبوة والقرآن وما شاكل ذلك من الأمور التي يصح أن يتقدمها العلم بوجوب الإمامة. ولو أجمعت الأمة في شخص بعينه أنه نبيهم ، وفي كلام بعينه أنه كلام الله سبحانه ، لعلمنا صحتهما ؛ لسلامة الأصل الذي أشرنا إليه ، وصحة تقدمه على هذه المعرفة. وعلى هذا يصح على مذاهبنا أن يعلم صحة الإجماع وكونه حجة من يجهل صحة القرآن ونبوة نبينا صلى الله عليه وآلهوسلم ، لأن أصل كونه

Página 250