Soplos de Rayhana
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
فلما استشعر الغلام عطف عطفة مشفق، وأراه في ضمن إغضائه موعد مرفق.
مشيرًا للكتمان تارةً بانطباق جفنٍ ملئ سحرًا، وآونةً بإظهار ثنايا أبانت فوق ياقوت الشفاه درًّا. فقال:
قلتُ له والهوى بيننا ... يطوف بالكأس الهنيِّ المري
اكفف حسامَ اللَّحظِ عن مهجةٍ ... ذابت لريَّا ريقكَ السُّكري
فأغمد الهنديَّ من جفنه ... ورصَّع الياقوت بالجوهرِ
وله، ويخرج منه اسم بكري بطريق التعمية:
لوى واوَ صدْغٍ خاله الخال عقربًا ... أصاب بها كبدي الصَّديع ولا يدري
ولا بدَّ من رشفٍ يبلُّ غصونها ... فما شفَّ قلبي غيرُ منع لمى الثَّغرِ
طريقة حله، أن الواو بالحساب الهندي بستة، وترسم هكذا ٦وأراد بليها قلبها، فتصير هكذا ٢، وهذا رسم الاثنين؛ وله الباء.
وأراد بقوله كبدي ولا بد، الكاف والياء؛ ورشفٍ يبل غصونها الراء، وبالتنصيص عليه بقوله: فما شفَّ.
وكون العمل في البيت الأول دون الثاني، أو الآخر، أو فيهما، مما يعاب عند أهل هذا الفن.
لك الله دعني من حديثك إنَّه ... متى غبت تشقى من سواه المسامعُ
وصنْ رونقَ الوجه البديع جماله ... فإن لحْت حاضت في الجفون المدامع
المعنى: أنك إذا لحت سالت العيون دمًا، لشدة شغفها بك، ففيه استعارة تبعية أو مكنية.
شبه المدامع بالنساء، والمرأة إذا اشتدت شهوتها وأفرطت سال حيضها.
وأصله قول المتنبي:
خفِ الله واستُر ذا الجمال ببرقعٍفإن لحتَ حاضت في الخدود العواتق. والعواتق: هي الشَّوابُّ من النساء.
وله:
لحاظٌ كأن الله أودع جفنها ... حياةً لأرباب الهوى وهلاكا
إذا فوَّقت سهمًا يخطُّ دم الحشا ... على نصله أهلًا جعلت فداكا
وله:
رأت نمل عارضه مقلتي ... تحوم على الثغر من غير نهلِ
فسالتْ دمًا ثم قالت لنا ... ذَبحْت كراي على بيت نملِ
وله:
وقد زعموا أن القلوب بحبَّةٍ ... تصاد وقالوا إنها حبَّة الخالِ
ولكنَّه قد صاد قلبي بحبِّه ... بلا حبَّةٍ ربُّ الولا صاحب الخالِ
وله:
ويح قلبي من ظالمٍ لم يبال ... بذَهاب النفوس تحت النِّعالِ
ما بدا للعيون إلا رأته ... مرهفاتٍ وأسهمًا وعوالي
لا ترم وصله فقد قطعت بي ... ضُ سرار الجبين رأس الوصالِ
تناوله من قول الأمير المنجكي:
ألا دعني وشأني يا ابن ودي ... ومحوي كلَّ شخصٍ من خيالي
أيقصد من أسرَّته سيوفٌ ... طبعن لضرب أعناق السُّؤالِ
ولي من أبيات:
أمواج إحسانٍ أسرَّة وجهه ... لصديقه وسيوف بأسٍ للعدى
وله:
وكنت أصون الدَّمع عن أن أذيله ... إلى أن دنا يوم التَّرحُّل لا كانا
فقلَّدتها يوم الوداع بلؤلؤٍ ... أحالته أنفاس التَّحرُّق مرجانا
وله:
ألزمت نفسي الصَّوم عن شادنٍ ... كالبدر يستوعبه النَّاظرون
آليت لا أفطر إلا على ... وجه هلالٍ ما رأته العيون
وله:
وحقُّ هوى مصافحةِ المنايا ... أخفُّ عليَّ منه باليدينِ
إذا فكَّرتُ فيه لمست رأسي ... كأني موقنٌ بهجوم حيني
أصل هذا قول أبي نواس في الأمين بن الرشيد:
إنِّي لصبٌّ ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من أحدِ
إذا تفكَّرت في هواي له ... ألمس رأسي هل طار عن جسدي
وهذا النوع من البديع سماه المبرد في الكامل والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام الإيماء.
وهو إما إيماءٌ إلى تشبيه، كقوله:
جاءوا بمذقٍ هل رأيت الذِّئب قط
أو إلى غيره.
قال الشهاب في كتابه الطراز: وكنت قبل هذا سميته طيف الخيال، وهو أن ترسم في لوح فكرك معنًى صوَّرته يد الخيال، فتصبه في قالب التحقيق، وترمز إليه بجعل روادفه وآثاره محسوسة ادِّعاءً، كما أن ما يلقى إلى المتخيلة في المنام يرى ذلك، ولا يلزم من ابتنائه على الكناية والتشبيه أن يعد منهما، لأمرٍ ما يدريه من له خبرةٌ بالبديع.
1 / 61