وترك القبيح لينتهى عنه، ربما تبسم، ويعود المريض، ويقول: «اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي ولا شفاء إلا شفاؤك» (1) ويشهد الجنائز، ويأتي دعوة الكهول، لا يغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، يجلس على الأرض، ويضع طعامه على الأرض، يلبس الشملة، ويركب الحمار بخطام من ليف، ويردف عبده، ويلعق يده، ولا يقطع على أحد حديثه، ويقول : «إذا رأيتم طالب حاجة فأرفدوه» (2).
ولا يجذب يده قبل مصافحه، ولا يكمش عنه أولا، يخدم نفسه، ويغسل ثوبه، ويحلب شاته، وإذا تكلم تكلم ثلاثا، وقال: «لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت» (3) وعاد يهوديا فأسلم، وقال: الحمد لله الذي أنقذني من النار. وكشف الصحابة بطونهم عن حجر، فكشف عن حجرين، وقال: «ما لي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كمثل راكب سائر في يوم صائف فنزل في ظل شجرة حتى إذا أبرد راح وتركها» (4)، وكان يقول: «الجوع من سنن المرسلين». وقال حسان:
نجوع فإن الجوع من علم التقى
وإن طويل الجوع يوما سيشبع
وكان أشد حياء من عذراء في خدرها، وكان عليه برد بحراني غليظ فجذبه أعرابي حتى أثر في عنقه، فالتفت إليه ضاحكا وأمر له بعطاء. وهو أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، لا يسأله أحد شيئا إلا أنحله، وقال: «بعثت إلى الناس كافة، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا، وترابها طهورا» (5).
وله الحوض، والشفاعة، ولواء الحمد، والوسيلة، وهي أعلى درج الجنة.
وليس لنا إلا إليك فرارنا
وأين فرار الناس إلا إلى الرسل (6)
Página 40