والثاني - لو كانت اللغاتُ توقيفية فذلك إما بأن يَخْلُق الله تعالى عِلمًا ضروريا في العاقل أنَّه وَضَع الألفاظ لكذا أو في غير العاقل أو بألاَّ يخلقَ علما ضروريا أصلا والأولُ باطلٌ وإلا لكان العاقلُ عالما بالله بالضرورة لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكَوْن اللهِ وضَع كذا لِكَذا كان علمُه بالله ضروريا ولو كان كذلك لبطَلَ التكليفُ.
والثاني باطلٌ لأن غيرَ العاقل لا يمكنُه إنهاءُ تمام هذه الألفاظ.
والثالثُ باطل لأن العلمَ بها إذا لم يكن ضروريا احتيج إلى توقيفٍ آخر ولَزِم التسلسل.
والجواب عن الأولى من حُجَجِ أصحابِ التوقيف: لِمَ لاَ يَجُوزُ أن يكون المرادُ من تعليم الأسماء الإلهامَ إلى وضْعها.
ولا يقالُ: التعليمُ إيجادُ العلم فإنا لا نُسَلِّم ذلك بل التعليم فعلٌ يترتب عليه العلم ولأجله يُقال علَّمْتُه فلم يتعلَّم.
سلمنا أن التعليمَ إيجاد العلم لكن قد تقرر في الكلام أن أفعالَ العباد مخلوقةٌ لله تعالى فعلى هذا: العلمُ الحاصل بها مُوجَد لله.
سلَّمناه لكنَّ الأسماءَ هي سِماتُ الأشياء وعلاماتُها مثل أن يعلَّمَ آدَمُ صلاحَ الخيل لِلْعَدْو والجمال للحَمْل والثيران للحَرْث فَلِمَ قلتُم: إن المراد ليس ذلك وتخصيصُ الأَسماءِ بالألفاظ عرفٌ جديد.
سلمنا أن المرادَ هو الألفاظُ ولكن لِم لا يجوزُ أن تكون هذه الألفاظ وضعها قوم آخرون قبل آدمَ وعلَّمها الله آدم.
وعن الثانية أنه تعالى ذمَّهم لأنهم سمُّوا الأصنامَ آلهة واعتقدوها كذلك.
وعن الثالثة أن اللسانَ هو الجارحة المخصوصة وهي غيرُ مرادة بالاتفاق والمجازُ الذي ذكرتموه يعارِضُه مَجازاتٌ أخر نحو مخارج الحروف أو القدرة عليها فلم يثبت التَّرجيح.
وعن الرابعة أن الاصطلاح لا يَسْتَدعي تقدُّمَ اصطلاحٍ آخر بدليل تعليم الوالدين الطفلَ دون سابقةِ اصطلاحٍ ثمة.
والجوابُ عن الأولى من حُجَّتَي أصحابِ الاصطلاحِ: لا نُسَلِّمُ توقُّفَ التوقيف على البعثة لجوازِ أن يخلق الله فيهم العلمَ الضروري بأن الألفاظَ وُضِعَت لكذا وكذا.
وعن الثانية: لِمَ لا يجوز أن يخلق الله العلم الضروريَّ في العقلاء أن واضعا وَضعَ تلك الألفاظ لتلكَ المعاني وعلى هذا لا يكونُ العلم بالله ضروريا.
سلَّمناه لكن لِمَ لا يجوز أن يكون الإله معلومَ الوجود بالضرورة لبعض العقلاء
1 / 20