قيل له : إنه تعالى بين أن من يرد الله أن يهديه إلى الثواب فى الآخرة. يلطف له (1) فى الدنيا بضروب من الألطاف والتأييد وزيادات الهدى ، فيشرح بذلك صدره للإيمان ، ومن يرد عقابه يفعل فيه ما يقتضى ضيق صدره بما هو فيه من إظهار الأدلة ، إلى ما شاكله ، وهذا يؤذن أنه أراد من كل واحد منهما الطاعة ؛ لأنه إن أراد شرح صدر المؤمن كان أقرب إلى تثبيته « على إيمانه ، وإذا ضيق صدر الكافر كان أقرب إلى أن يقلع عن الكفر (2)؛ لأن المتعالم من حال من ضاق صدره بشيء وتحير فيه ، أن يطلب التخلص منه.
وقوله تعالى بعده : ( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) يدل على أن ما تقدم ذكره عقوبة فى الحقيقة ، ويقوى ما قدمناه من التأويل ،
فإن قال : إنا نجد الكافر غير ضيق الصدر بما هو فيه ، والظاهر منه خلافه ، فكيف يصح فى خبره تعالى الخلف؟
قيل له : إنه تعالى بين أنه يجعل صدره ضيقا حرجا ، ولم يقل : فى كل حال ، ومعلوم من حاله فى أحوال كثيرة أنه يضيق صدره بما هو عليه ، عند ورود الشبه والشكوك ، وعند مجادلة المؤمن له فى أدلة الله. وهذا القدر هو الذى يقتضيه الظاهر.
وبعد ، فإن ما ظهر منه لا ينافى أن يكون صدره ضيقا ؛ لأن مجاحدة ذلك لا تمنع ، لفقد معرفتنا بالبواطن ، فما قالوه لا يمنع من حمل الكلام على ظاهره.
وتحتمل الآية وجها آخر ، وهو أنه أراد بقوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه )
Página 264