211

قليلهم كما لا يصح من كثيرهم ، لأن المنع إذا عم فالممنوع فيه يجب أن يعم فى أن لا يحصل.

فإن قال : المراد بقوله : ( إلا قليلا ) أنهم يؤمنون إيمانا قليلا وإن لم يكونوا مؤمنين فى الحقيقة ، فحصول الطبع فيهم منع من الإيمان.

قيل له : إن قوله : ( إلا قليلا ) يجب أن يعود فى الإثبات إلى ما تقدم نفيه (1) والذى تقدم من ذلك قوله : ( فلا يؤمنون ) على الإطلاق ، فيجب أن يراد بقوله : ( إلا قليلا ) أنهم يؤمنون ، بالإطلاق ، ومتى حمل على ما قاله فلا بد من تقدير حذف فى الكلام ، وفى ذلك زوال عن الظاهر.

ثم يقال للقوم : إن قوله : ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) يقتضى أن الطبع هو كالجزاء على الكفر ، ولأجله فعل بهم ، وكيف يجوز أن يكون منعا من الإيمان ولا يجوز من الله أن يعاقب الكافر بأن يمنعه من الإيمان ؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يبعث أنبياءه بأن يمنعوا قومهم من الإيمان على سبيل العقوبة ، كما أنه لو جاز أن يعاقب بأن يتولى العقاب ، جاز أن يأمرهم بإقامة الحدود عقابا!

فإن قال : أليس قد قال تعالى بعد ذلك : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [160].

فجعل التحريم كالجزاء على الظلم ، وإن لم يصح ذلك عندكم ، فكذلك نقول فى الطبع.

قيل له : إن من حق هذا الكلام أن يقتضى ظاهره أن الثانى متعلق بالأول ويقع بسببه ، فمتى دل الدليل على خلافه فهو عدول عن الظاهر ، ولا يجب

Página 212