قيل له : إن الموجود إذا قيل إنه تعالى مالكه فهو مجاز ، لأن القدرة على الموجود تستحيل ، وإنما يراد به « أنه يملك أمرا سواه (1) له به تعلق ، كما يراد بقولنا : إن زيدا يملك الدار ، أنه يملك التصرف فيها ، وهو تعالى لا يمتنع أن يوصف بأنه مالك أفعال العباد ، بمعنى أنه يقدر على إعدامها ، أو يقدر فيما لم (2) يوجد منها على المنع منها ، وليس فى ذلك ما يدل على ما توهموه.
وأما قوله تعالى : ( وكان الله بكل شيء محيطا ) فإن حمل على ظاهره اقتضى كونه محتويا على « كل الأجسام (3)، وذلك يتناقض ، لأن الشيء إذا احتوى على جمل الأشياء (4) استحال كونه محتويا على كل واحد منها ، لما فيه من إيجاب كونه ، أو كون (5) بعضه ، فى مكانين ، ولأن احتواء الشيء على الأشياء يقتضى أنه أزيد منها فى بعض جهات تركيبه ، وهذا يستحيل عند الكل عليه تعالى ، فلا ظاهر يصح تعلقه به على قول المجسمة.
والمراد بذلك : أنه تعالى مقتدر على الأشياء ، لأن هذه اللفظة فى الاقتدار متعارفة ، ولأن صدر الكلام يدل عليه.
ولا يقال بهذا (6) اللفظ إنه مقتدر على المعدوم ، لأن نفس الإحاطة إذا كانت إنما تصح فى الموجود ، فإذا اتسع بها فى الاقتدار على الشيء من سائر جهاته تشبيها بالإحاطة ، فيجب كونه موجودا! وقد بينا أن المراد بالموجود إذا قيل إنه مقتدر عليه ، أنه قادر على إعدامه وتفريقه ، فلا يصح التعلق بذلك فى أنه الخالق لأفعال العباد!
Página 206