قالت روز: «أتستمتع بوقتك؟» «لا بأس، لا بأس.»
وبالطبع ظلت طوال ما تبقى من الأمسية تمارس لعبة النظر إلى كليفورد بينما تتظاهر بأنها لا ترقبه، وبدا لها أنه يفعل نفس الشيء، والتقت أعينهما بضع مرات دون أي تعبير يذكر، في رسالة واضحة تمام الوضوح تزلزل كيانها. وصارت تراه بشكل مختلف الآن؛ فجسده الذي كان يبدو ضئيلا وضعيفا بدا في عينيها الآن رشيقا مفعما بالطاقة؛ كان أشبه بجسد حيوان الوشق أو الفهد. لقد اكتسب كليفورد سمرته من رياضة التزلج التي يمارسها؛ فقد كان يتسلق جبال سيمور ويمارس التزلج هناك. هواية مكلفة، ولكنها هواية شعرت جوسلين أنه لا يمكن حرمانه منها؛ لما كان يعانيه من مشكلات بشأن صورته الاجتماعية؛ صورته الذكورية كعازف كمان في هذا المجتمع، أو هكذا قالت جوسلين. كانت جوسلين قد أخبرت روز بكل شيء عن خلفية كليفورد: والده المريض بالتهاب المفاصل، متجر البقالة الصغير الكائن في بلدة شمال نيويورك، في الحي الفقير المليء بالقسوة. وتحدثت أيضا عن مشكلاته في طفولته؛ عن الموهبة غير اللائقة، عن والديه اللذين لم يمنحاه العطف، ورفاق المدرسة المتهكمين. قالت جوسلين إن طفولته قد خلفت بداخله شعورا بالمرارة، ولكن روز لم تعد تعتقد أن جوسلين لها الكلمة الأخيرة على كليفورد. •••
أقيم الحفل ليلة أحد أيام الجمعة. دق جرس الهاتف في صباح اليوم التالي، بينما كان باتريك وآنا على المائدة يتناولان البيض.
قال كليفورد: «كيف حالك؟» «بخير.» «أردت أن أهاتفك. اعتقدت أنك قد تظنين أنني كنت ثملا فقط أو شيئا من هذا القبيل. إنني لم أكن كذلك.» «أوه، كلا.» «لقد قضيت الليل بأسره أفكر فيك، بل كنت أفكر فيك قبل ذلك أيضا.» «نعم.» كان المطبخ يدور من حولها، وكان المشهد بأكمله أمامها، مشهد باتريك وآنا على المائدة، وإبريق القهوة الذي تساقطت قطرات منها على جانبه، وبرطمان المربى، كل شيء كاد ينفجر من فرط البهجة والفرصة والخطر. كان فم روز جافا تماما حتى إنها بالكاد استطاعت أن تتكلم.
قالت: «إنه يوم جميل. ربما نتسلق أنا وآنا وباتريك الجبل.» «هل باتريك بالمنزل؟» «أجل.» «يا إلهي! إنه لغباء مني. لقد نسيت أنني الوحيد الذي يعمل يوم السبت. فأنا هنا في بروفة.» «أجل.» «هل يمكنك التظاهر بأن المتصل شخص آخر؟ تظاهري أنها جوسلين.» «بالتأكيد.»
قال كليفورد: «أحبك يا روز.» ثم أغلق الخط.
قال باتريك: «من كان على الهاتف؟» «إنها جوسلين.» «وهل يجب أن تتصل حين أكون بالمنزل؟» «لقد نسيت. إن كليفورد في بروفة لذا نسيت أن الآخرين في إجازة اليوم من العمل.» شعرت روز بسعادة وبهجة وهي تنطق اسم كليفورد. يبدو وكأن ممارسة الخداع والكتمان قد أصبحا أمرا في غاية السهولة والتلقائية بالنسبة لها؛ وقد يكون ذلك متعة في حد ذاته.
قالت روز في محاولة لعدم الخروج عن الموضوع: «لم أكن أعرف أنهم يضطرون للعمل أيام السبت. لا بد أنهم يعملون لساعات طويلة للغاية.» «إنهم لا يعملون لساعات أطول من الأشخاص العاديين، كل ما في الأمر اختلاف في توزيع وقت العمل. إنه لا يبدو قادرا على العمل كثيرا.» «من المفترض أن يكون جيدا للغاية، أقصد كعازف كمان.» «إنه يبدو شخصا أحمق.» «أتعتقد ذلك؟» «ألا تعتقدين ذلك؟» «أعتقد أنني لم أدرس شخصيته مطلقا.» •••
اتصلت جوسلين في يوم الاثنين وقالت إنها لا تعرف لم تقيم الحفلات؛ إذ كانت لا تزال تخوض وسط الفوضى. «ألم يساعدك كليفورد في التنظيف؟» «أنت تمزحين. إنني أكاد لا أراه طوال عطلته الأسبوعية؛ فقد كان لديه بروفة يوم السبت وكان يعزف بالأمس. إنه يقول إن الحفلات فكرتي أنا؛ لذا فبإمكاني التعامل مع توابعها. وهذا صحيح. فأنا أصاب بنوبات الشوق للتجمعات، والحفلات هي العلاج الوحيد لها. لقد كان باتريك مثيرا للاهتمام.» «نعم، للغاية.» «إنه نمط ساحر من الشخصيات حقا، أليس كذلك؟» «هناك الكثير والكثير مثله، ربما فقط لا تتاح لك الفرصة للقائهم.» «تعسا لي!»
كان هذا الحوار كأي حوار آخر لها مع جوسلين؛ فقد كانت حواراتهما وصداقتهما تسير دائما في نفس الاتجاه، ولم تكن روز تشعر بأنها مقيدة بأي قدر من الولاء لجوسلين؛ لأنها قد قسمت كليفورد إلى نصفين؛ فكان هناك كليفورد الذي عرفته جوسلين، وهو نفس الشخص الذي طالما قدمته جوسلين إلى روز، وكان هناك أيضا كليفورد الذي عرفته روز الآن. كانت تعتقد أن جوسلين ربما كانت مخطئة بشأنه، والمثال على ذلك عندما قالت لها إن طفولته قد خلفت لديه شعورا بالمرارة. فما وصفته جوسلين بأنه مرارة بدا لروز شيئا أكثر تعقيدا وأكثر اعتيادا؛ إنه فقط المألوف لأية طبقة، من ضجر، ولين، ومراوغة، ودناءة. وقد كانت تلك أمورا مألوفة بالنسبة للطبقة التي جاء منها كليفورد وكذا طبقة روز. أما جوسلين، فقد كانت معزولة بطرق ما؛ مما جعلها صارمة وبريئة. لقد كانت تشبه باتريك في عدة نواح.
Página desconocida