وقد اصفر وجهه وجعل ينظر إلى جيرار نظرة المأخوذ، وهو لا يدري ما يقول: فأخذ جيرار بيده وقال له: ما هذا الاصفرار الذي تولاك؟ - يا لهول ما سمعت ... أهذا الشقي والد التي أحبها؟ - خفض روعك يا روبير ولا تسترسل في الأحزان. - أتسحق قلبي بهذا النبأ ثم تسألني الصبر، كلا فلم يبق أحب إلي من الموت. - بل يجب أن تعيش. - لمن؟ وقد فقدت مودست إلى الأبد. - كلا، فلم تفقدها. - ماذا تعني؟ - ألم تقل منذ هنيهة إن المرء لا يؤخذ بذنب سواه؟ - نعم، ولكني كنت أجهل أنها ابنة قاتل أبي. - وأنا ألم أجبك أنه لا يمكن أن يوصم بعار. - إنه سيجازى بالإعدام، وأي عار أعظم من هذا؟ - بل إن براءته ستظهر كالشمس في رابعة النهار؛ فإن المحكمة لا يمكن أن تضل عن القاتل الحقيقي، فهل تمعنت في الأمر يا روبير؟ إن بوفور كان صديق أبيك الحميم.
وكان كثير التردد إليه، فهل رأيت من أخلاقه ما يدل على أنه من أهل الشر؟ ثم إنه واسع الشهرة وافر الثروة فلماذا يقتل أباك، أليسرقه كما يتهمونه وهو الغني، أم لينتقم منه وهو صديقه المخلص؟! وفوق ذلك فإنه كان على وشك مصاهرتك، وقد كان مع أبيك في مركبة واحدة وأثبت التحقيق وجود كمين في الغابة. - ولكنك تعرف البراهين المتوفرة ضده أكثر مما أعرفها. - إنها الصدفة يا روبير، ولا بد للحقيقة أن تنجلي، ولو كان يحق لي الكلام لبرأت بوفور بكلمة. - يظهر أنك واثق من براءته؟ - كل الثقة. - من أين تولدت هذه الثقة؟ - أتثق بي أيها الصديق؟ - دون شك. - أتصدق قولي إذا قلت لك إن بوفور بريء؟ - إذا أيدت قولك بالبرهان. - ليس لي من البراهين ما أستطيع أن أقوله لك. - إذن لديك براهين؟ - نعم. - هذا محال؛ لأنه لو كان لديك برهان كما تقول لما كتمته لحظة. - ولكنه برهان سري؛ فلا أستطيع الإباحة به؛ فإن الأطباء يعترفون لهم أحيانا كما يعترفون للكهنة. - أتترك بوفور يحكم عليه وأنت تعتقد أنه بريء؟
فمسح جيرار العرق عن جبينه، وقال: لا أستطيع أن أفعل شيئا لإنقاذه. - ألا تنتقم لأبي على ما بيننا من الوداد؟ - لا أستطيع أن أقول كلمة. - وأنا لا أستطيع أن أصدق حرفا من أقوالك؛ فإنك تريد العبث بي، ولكني أغفر لك. - إني أقسم لك يا روبير. - لا فائدة من الإقسام. - إن الحزن أضاع رشدك، فثق أني أقول الحقيقة.
وعند ذلك طرق الباب وسمع صوت مودست، فقال: هل علمت أن بوفور أبوها؟
قال: كلا.
فقالت مودست من الخارج: أتأذنان لي بالدخول؟
فلم يجيباها، ففتحت الباب ودخلت فرأت الاثنين يضطربان كأوراق الخريف، فقالت لهما: ماذا حدث بينكما؟
فقال لها روبير: اسمعي حكايتنا وكوني حكما بيننا.
فاعترضه جيرار قائلا: ماذا تفعل يا روبير؟
فلم يحفل باعتراضه، وقال: إن زواجنا محال يا مودست.
Página desconocida