وكان جيرار قد ذهب إلى داغير كما تقدم فقال له: إني قادم من عند قاضي التحقيق، وقد قابلته وأخبرته بما علمته.
فاصفر وجهه وقال: إنك بحت بسر اؤتمنت عليه وما هذا شأن الأشراف.
قال: كلا، إني لم أبح بالسر في حين أنه كان يجب أن أفعل؛ لأن عدم إنقاذ رجل بريء شريف كالموسيو بوفور يعد جريمة أعظم من جريمة الإباحة بالسر. - إذا كنت لم تبح به فأي شأن لك مع قاضي التحقيق؟ - أردت أن أخبره أنه مخطئ بسير التحقيق؛ فإن لدي براهين تدل على خطئه. - أيها التاعس؛ إنك ولدت في نفسه الريب، وسيقتفي أثرك ويراقبك أين ذهبت. - هذا حقه. - إذن لقد أصبحت من الهالكين. - وهذا ما أتمناه؛ فليس في قلبي ذرة من الشفقة عليك. - احذر؛ فإنك تندم. - إن وعيدك لا يؤثر علي في شيء فأنت قاتل سفاك، وأنا طبيب شريف، فأية صلة بيننا فأخاف وعيدك؟ - إن بيننا من الصلات فوق ما تظن، ومتى عرفت الصلة التي تجمع بيننا تأسف لما قلته للقاضي، ولكن الأوان لم يفت لحسن الحظ. - إني لا أفهم ما تقول فما الذي تعنيه؟ - أصغ إلي يا موسيو جيرار؛ فإنك ابن رجل مجهول. - ماذا يهمك مولدي؟ - وإنك لم تعرف أباك حتى الآن، فإذا كنت تريد أن تعرف حقيقة أمرك فأنا أكشف لك سره. - أنت؟ - نعم أنا. - وكيف عرفت هذه التفاصيل؟ - سوف ترى؛ فاعلم أن أمك من أسرة نبيلة وهي ابنة الكونت دي مونتكور، فعندما بلغت الثامنة عشرة من عمرها أحبت فتى وهو أيضا من النبلاء، غير أن أباها أبى تزويجها به وهما متحابان كما قلت لك، فكنت أنت الدكتور جيرار ثمرة هذا الحب.
ولكن ما بالك لا تسألني تمام الحديث ألا تريد معرفته؟ - من يضمن لي أنك غير كاذب فيما تقول؟ - يضمنه أمك، فلك أن تسألها حين عودتك. - إذن امض في حديثك. - إن الكونت دي مونتكور حين علم بزلة ابنته وافق على زواجها، ولكن الفتى كان قد مل الانتظار وحالت موانع دون زواجه بها، فاضطرت إلى السفر إخفاء لزلتها. - لا يوجد في الأرض موانع تحول دون زواج الشريف بفتاة يحبها وهو يريد الزواج.
ثم أطرق هنيهة ساكتا وقال: وعلى ذلك فإن هذا الرجل كان أبي. - نعم. - إلى أين تريد أن تصل بحكايتك، وأي شأن لها بما نحن فيه، ألعلها تغير الواقع وهو أنك لص سفاك. - كلا إنها لا تغير اعتقادك في ولكني أظن، بل أؤكد أنها تمنع انتقامك مني. - لا أفهم ما تقول. - أني أنتظر أن تسألني سؤالا وأنا مستعد لإجابتك عليه. - ما هو اسم هذا الرجل؟ ما هو اسم أبي أتعرفه؟ - لو لم أكن أعرفه لما قصصت عليك هذه الحكاية. - من هو؟ - ألم تعرف بعد من هو؟ - كيف أستطيع أن أعرفه؟ - إن أباك ... هو أنا.
فتراجع جيرار منذعرا كأنما لسعته أفعى وهو يقول: أأنت أبي؟ أيمكن أن تكون أحبتك أمي؟! - ما عليك إلا أن تسألها.
فسقط على كرسيه وستر وجهه بيديه، فلم يبك ولكنه خجل مما سمعه؛ حتى إنه أنف من النظر إلى الوجود فستر عينيه وهو يقول: أنت أبي ... يا للهول أيمكن ذلك أن يكون؟!
ثم وقف وقد أصيب بما يشبه الجنون، فقال: كلا، كلا إن هذا الوحش لا يمكن أن تحبه أمي؛ فقد يكون خدعها وهي في أول حلقات العمر، وبين الانخداع والحب بون بعيد.
أما داغير فإنه نظر إليه بعين المنتصر، وقال له: اذهب الآن إلى قاضي التحقيق، وقل له ما تعرفه عني فإنك إذا تكلمت تكلمت أنا، فيعلم الناس أن ولدي الذي خانني، وإذا عوقبت بالشنق أو بالسجن مدى العمر كان ذلك بفضل ولدي.
فقال جيرار: الويل لي من القدر! أأنا يكون لي مثل هذا الأب؟! إني ذاهب إلى أمي فأسألها؛ لأني لا أزال مشككا إلى الآن.
Página desconocida