فلم يجبه وانصرف مسرعا، فتجول نحو ساعات لا يفكر إلا بأمر واحد، ثم عاد إلى المنزل الذي كان يقيم فيه مع بوفور فلم يدخل إلى غرفته، بل وقف في نافذة تشرف على الطريق وقد امتقع وجهه بصفرة الموت، فقال بصوت مرتفع: أربعمائة وتسعون ألف فرنك، إنها ثروة.
ثم سار فجأة إلى غرفة بوفور وحاول أن يدخل إليها، ولكنه سمع صوتين من داخلها، فعلم أن أحدهما صوت بوفور وأن الثاني صوت امرأة لم يعرفه حق العرفان، ولكنه ذكره؛ صوتا كان يعرفه من عهد بعيد فوقف عند الباب مصغيا، وقد كاد يحبس أنفاسه كي لا تفوته كلمة من الحديث. •••
كان اضطراب مرسلين لا تستطيع وصفه الأقلام؛ فقد رأت ابنتها تنتحر.
ولم تكن تفارق بنتها لحظة؛ فإنها كانت طريحة الفراش إلى أن تعافت في اليوم الثالث، فنظرت إلى أمها نظرة كأنها تقول لها: ألعلك نسيت أني أحب روبير، فلماذا لم أره هنا بعد ما سبق إلي وعدك؟
وقد فهمت مرسلين معنى هذه النظرة وعلمت أنه لم يبق بد من الإباحة بسرها لبوفور ولفولون؛ أما الأول فلأنه زوجها، وأما الثاني فلأنها لا تستطيع تزويج بنتها إلا بعد أن تظهر حقيقة اسمها واسمي أمها وأبيها، ولما كان أبوها لا يزال في قيد الحياة فقد تحتمت مصادقته على الزواج .
وهنا بدأ عذابها، وما عساها تقول لبوفور وقد جعلته أشقى رجل في الوجود مدة ربع قرن؟ وما عساه يجيب حين يقف على زلتها ويعرف حقيقة مولد جيرار؟
وكانت تعلم أن بوفور ضعيف البنية شديد الانفعال؛ فكانت تخاف عليه بوادر هذا النبأ، وأن ينتهي بفاجعة، ولكنها لم تجد بدا من الإباحة أو تعرض بنتها لموت محتم، فكتبت إلى بوفور ما يأتي:
إن الذي أرسل إليك منذ بضعة أيام ضمة البنفسج الذابلة يستطيع أن يخبرك بأنباء مرسلين، فإذا كان قلبك قد نسيها ولم تعد تكترث لأمرها فلا تجب على هذا الكتاب، وإذا كان الأمر على العكس فادع صاحبة هذا الكتاب بكلمة تحضر إليك اليوم.
ولما فرغت من كتابته عنونته باسم بوفور، وأرسلته إليه مع كلوكلو وقالت له ينتظر الجواب.
وبعد ساعة عاد إليها بجواب لا يتضمن غير كلمة واحدة وهي: «احضري.» فتنهدت وقالت: رباه هبني من لدنك قوة تعينني على لقائه.
Página desconocida