Estudios en Lengua y Literatura
مطالعات في اللغة والأدب
Géneros
انتقد الدكتور طه حسين قصيدة حافظ في الدستور بعد أن صدر انتقاده بمقدمة تشف عن أدب رائع وأسلوب رشيق جميل يفتن القارئ، ويغري الكتاب أن يتحدوه، ولست الآن في مقام درس أسلوبه، وإنما غرضي من هذه العجالة أن أعلق كلمة على انتقاده لقصيدة حافظ: أعرف للأستاذ طه حسين مكانته، وأعده مع طائفة من كتاب مصر وأساتذتها أصحاب الكفايات، من أركان هذه النهضة الجديدة في مصر؛ بل في العالم العربي كله. وقد كنا نتطلع دائما إلى ما يكتبه الأستاذ ورفاقه، وكم يتمنى كثيرون لو يستطيعون أن يؤموا مصر ليتلقوا ما يلقيه الأستاذ ورفاقه من الدروس العالية في الجامعة المصرية الزاهرة؛ بل كم كنا نتمنى لو ينشط الأستاذ ورفاقه إلى إنشاء مجلة أو جريدة يعرضون فيها ما تعمقوا فيه وأحاطوا به من علم وفلسفة وأدب وسياسة، فكانت جريدة السياسة الغراء ما نتمنى ...
الجامعة المصرية وجريدة السياسة من أهم ما تحتاجه البلاد في دورها الجديد، وللأستاذ طه حسين فيهما المنزلة العالية.
وبعد، فليسمح لنا الأستاذ أن نبدأ بكلمتنا عن انتقاده.
يظهر لنا من أسلوب الأستاذ في انتقاده أو تقريظه أنه يكتفي بالإشارة إلى مواضع الإساءة أو الإحسان بدون أن يوطئ لقوله ببيان الأصول التي يرجع إليها، مما قد يوهم أنه متحكم وليس هناك تحكم، أو أنه متحامل وليس هناك تحامل، ولست أحمل ذلك منه إلا على أحد أمرين: إما على اعتقاد منه أن القارئ يعرف تلك الأصول؛ فلا حاجة إلى بسطها، وإما على أن المقام أو الوقت لا يتسعان للتبسط فيها، على أنه إذا كان بين القراء من يعرف بعض تلك الأصول، فإن أكثرهم يجهلها أو ليس بينهم من يعرفها كلها، وإذا كان المقام أو الوقت لا يتسعان لبسط تلك الأصول، فما أحرى الأستاذ أن يحيلنا على مراجعها، أو أن يعدنا بالتبسط فيها وهمته عالية. •••
كان علامتنا المرحوم الشيخ إبرهيم اليازجي صاحب مجلة الضياء يضطر فيما ينتقده على الأولين والآخرين إلى بيان الأصل الذي يرجع إليه إذا كان معروفا، أو إلى بسطه إذا كان من استنباطه واجتهاده، فكان انتقاده دروسا ثمينة في اللغة والأدب. من ذلك أبحاثه الطريفة الطويلة في: «الشعر» و«المجاز» و«اللغة والعصر»، ولا يخفى ما في ذلك من تعزيز انتقاده، وإنصاف الذين ينتقدهم، وإفادة قرائه. وللأستاذ في إيثار هذه الطريقة رأيه العالي. •••
يقول الأستاذ: إن حافظا قد شعر كثيرا فأجاد الشعر وأحسنه، ولكنه لم يذكر شيئا من ذلك الشعر الذي أجاده وأحسنه، ووجه الإجادة والإحسان فيه.
يقول إنه بحث عن الشعر في هذه القصيدة فلم يجد شيئا، فما هو الشعر؟
يقول إن الشاعر قد يرتفع وقد يهوي، فما هي الأحوال التي قد يرتفع الشاعر وتلك التي قد يهوي فيها؟ أو بالأحرى ما هي الأحوال التي علت بحافظ وتلك التي هوت به؟
يقول إن هذا العصر ليس عصرا شعريا، فهل السبب في ذلك الحياة السريعة العملية التي صرنا إليها، أم أن هناك أسبابا أخرى تضاف إلى هذا السبب؟ ثم ما هو ذلك الشيء في حياتنا الاجتماعية الذي يضطر الشعراء إلى السكوت؟ وماذا يكرههم على أن يتكلموا؟
ثم أخذ بعض الأبيات من تلك القصيدة واكتفى بسؤال القارئ: «هل ترى فيها شيئا من جمال الشعر وروعة الفن؟» كيف يكون الشعر جميلا، وكيف يكون الفن رائعا؟ أجل الأستاذ عن أن يحيلنا في إدراك ذلك الجمال وتلك الروعة على الذوق، فإننا نعتقد أن هناك أصولا للجمال وشروطا لروعة الفن، ثم ماذا يعني بالابتذال؟ ومتى يكون الكلام رصينا متينا في غير وحشية ولا ابتذال؟ وهل في قولنا: «طلعت الشمس» و«غاب القمر» و«جاء الرجل» و«ضحك الغلام» ابتذال؟
Página desconocida