لذلك وجب أن نهذب أخلاق الأطفال منذ نشأتهم حتى لا تسوء سمعتهم، فيتحاماهم الناس، وتضيق أرزاقهم، وتغلق في وجوههم أبواب المطالب. (12) حاتم وضيفه
اشتهر حاتم الطائي، أحد سادات العرب بالجود والكرم، حتى قيل: إنه ربما كان يطعم الضيوف جميع زاده مع كثرته، ويبيت على الطوى مسرورا بما فعل من الإحسان، فشاع ذكره بين العرب، وضربوا بجوده المثل.
ويحكى أن أعرابيا ضافه ليلة، فلم يخرج إليه، ولم يكرمه، بل أرسل إليه بعض عبيده بقليل من الطعام، فبات الأعرابي متكدرا، وفي الغد ركب دابته وخرج من الخباء مغضبا، فتلثم حاتم وتبع الأعرابي واستوقفه وقال له: أين كنت الليلة يا أعرابي؟ قال: كنت ضيف حاتم طيئ. قال: فكيف كان مبيتك؟ قال: على أحسن حال، فقد نحر لي بعيرا وحياني وأكرمني كل الإكرام. فابتسم حاتم وقال: يا هذا، أنا حاتم، فما حملك على الكذب؟ قال: شهرتك بالجود بين العرب، فقد خفت إن قلت غير هذا أن أكذب فيه، فقلت ما قلت خشية أن ينسب إلي الكذب. فضحك حاتم ورده إلى الخباء، ونحر له بعيرا، وأكرم مثواه، وقال: ما فعلت ذلك أمس إلا مزاحا. (13) مكانة الفتاة وكيفية تربيتها تربية صحيحة نافعة
قد فرض الله - سبحانه وتعالى - على الفتاة من العبادات وغيرها مثل ما فرض على الفتى، ولم يكلفه بأكثر منها إلا قليلا، وهذا مما يدل على أن لها نصيبا وافرا من العمل في هذه الحياة الدنيا، وأن لها عقلا وذكاء، ولولا ذلك ما شرفها الله بتوجيه أوامره ونواهيه إليها، فصلاح العالم إنما يتوقف على سعي الرجل والمرأة، فلو فسدت أخلاق أحدهما فسدت بسببها أمور كثيرة، وإنما اختص كل منهما بعمل حتى لا يكون هناك اختلال في أداء الأعمال، وهكذا أمر الله في جميع الأشياء الأخرى، فقد جعل لكل عضو من الجسم عملا مخصوصا به لا يؤديه غيره، ولا يمكننا أن نفضل القلب على الرئتين مثلا لاحتياج الإنسان إلى كل منهما، ولو تلف أحدهما؛ لتعطلت أعمال الآخر، ومات الإنسان، كذلك الرجل والمرأة؛ لا يصلح أحدهما إلا بصلاح الآخر.
ولما كان الأطفال الصغار يلجئون إلى الأم؛ لتعلقهم بها، واحتياجهم إليها، وجب أن تقوم هي بتربيتهم، وتعهد المنزل، ويقوم الرجل بالسعي وراء اكتساب الرزق، وكلا العملين لا غنى عنه، فيجب أن تهذب أخلاقهما، وتطهر أنفسهما، حتى يستقيم أمرهما، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالدين الذي يحث على الفضيلة، وينهى عن الرذيلة، فإذا تمسك كل منهما بدينه كملت أخلاقه، وقام بأعماله حق القيام.
وكما أن الفتى يتعلم العلوم لتتربى مداركه، ويكتسب بها عقلا يرشده إلى تحسين أعماله، واختراع أسهل الطرق وأنفعها في تأديتها، كذلك الفتاة يجب أن تتعلم حتى يقوى تصورها، وتهتدي إلى تحسين حالها، فإن عملها يحتاج إلى الحكمة والروية، فإنها تكون رئيسة منزل تدير حركته، فلا بد لها أن تعرف كيف توزع الأعمال على خدمها، وترشدهن إلى إتقان أعمالهن، وتحسن التصرف فيما لديها، وهي مسئولة عن صحة الأطفال وأخلاقهم، فلا بد أن تعرف طبائعهم وحالة أجسامهم؛ لتتبع على علم ما ينفع صحتهم، ويؤثر في طباعهم، وإلا أضرت بهم من حيث أرادت أن تنفعهم.
ومنها يطلب حفظ الأشياء والاقتصاد فيها، فلا بد لها أن تعرف طبيعة هذه الأشياء، وتأثير الأجواء فيها، ومقدار فائدتها للغذاء حتى تجيد ادخارها سالمة، وتحسن الانتخاب فيما ادخرت.
ويلزمها إبداء رأيها فيما يصلح أحوال المنزل، وبيان ما ينشأ عن ذلك من المنافع؛ لهذا وجب أن تتعلم الإنشاء وحسن المحاورة حتى تقدر أن تعبر عما في نفسها بعبارة ترضي السامع وتقنعه، فكثيرا ما ينشأ الشقاق عن سوء التفاهم بين المتخاطبين أو عدم دراية المتكلم بمواقع كلامه من القلوب، وجهله بآداب المحادثة، وكثيرا ما يحول الإنسان آخر عن اعتقاده بكلام حسن لين، فلا يشعر السامع أن المتكلم يعارضه في الرأي فيميل إليه بارتياح تام، وبذلك يسود الوئام في الأسرة.
فالفتاة في كل ذلك تحتاج إلى تعلم علوم كثيرة، هذا فضلا عن شدة احتياجها إلى درس التربية والأخلاق، درسا تاما، ولا يمكنها كل هذا إلا إذا تمكنت من لغتها، وعرفت معانيها وأساليبها، حتى تقف على ما دون بها من هذه العلوم، وتفهمه فهما جيدا، وتعمل فكرتها في الانتفاع بما علمت منه.
وبالجملة، فكل علم اشتغلت به الفتاة أفادها، فإن لم يرتبط بعملها مباشرة فهو يقوي إدراكها، ويسدد رأيها، ويعدها لإصلاح أعمالها، وإن لم تشعر، وليكن نصب عينيها في كل ذلك العناية بتدبير المنزل، فهو أول واجباتها المعاشية.
Página desconocida