وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت (34) عدل علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه»
كان في بيت مال علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم أجمعين - عقد لؤلؤ قد أصابه يوم البصرة، فسمعت به ابنته، فأرسلت إلى خازن أبيها وكاتبه على بن أبي رافع، وسألته أن يعيرها هذا العقد لتتجمل به يوم الأضحى، فاشترط عليها أن تأخذه على أنه عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام، فقبلت منه ذلك، وأخذت العقد فتزينت به، ورآها أبوها، فعرف العقد، وقال لها: من أين لك هذا؟ قالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أرده، فبعث إلى ابن أبي رافع من وقته، فلما مثل بين يديه، قال له: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟! قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أخون المسلمين؟ قال: كيف أعرت ابنتي العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟! قال الخازن: يا أمير المؤمنين إنها ابنتك، وسألتني أن أعيرها العقد تتزين به، فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة، قال: رده من يومك، وإياك أن تعود لمثل هذا العمل فتنالك عقوبتي، ثم قال: ويل لابنتي لو كانت أخذت العقد على أنه ليس عارية مردودة لكانت أول هاشمية قطعت يدها في سرقة، فأخذ الخازن العقد، وبلغت مقالة علي ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين، أنا ابنتك وفلذة كبدك، فمن أحق بلبس هذا العقد مني؟ فقال لها: يا ابنة ابن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين والأنصار يتزين في مثل هذا العيد بمثل هذا العقد؟ (35) لا إصلاح بغير علم
دخلت أختان في إحدى المدارس، وما زالتا بها إلى أن نقلتا إلى السنة الرابعة، وكانت الكبيرة مجتهدة في حفظ دروسها ملتفتة إليها، أما الصغيرة: فكانت غير مكترثة بالعلوم، وما زال كسلها يزداد إلى أن تركت حفظ الدروس بالكلية، ونبذت العلم ظهريا، وصرفت كل ذكائها في اللعب، واختراع المضحكات، فساء ذلك أختها، وأرادت أن تنصحها فجعلت تترقب لذلك الفرص.
وبينما الفتاة الصغيرة مشتغلة باللعب ذات يوم إذ اقتربت منها أختها، وقالت لها: إن علينا اليوم أن نحفظ أبواب الفعل الثلاثي، فهل لك أن تحفظي معي؟ قالت الصغيرة: لا تعنيني وأبيك أبواب الفعل ولا نوافذه، فاتركيني ونفسي، فلست أبالي من أي باب آتي:
وإن تكسري للفعل عينا فإنني
كسرت ذراع الفعل قهرا وأنفه
وإن كان معتلا فلست طبيبة
دعيه عسى أن يلتقي اليوم حتفه
قالت الكبيرة: لعلك أردت أن تذاكري الحساب، قالت: إني أعرف أن أحصي ما أصرفه، ولا حاجة لي بغيره، ولا يهمني شيء إذا ربح التاجر خمسة في المائة أو خسر عشرة، ولست آمل أن أكون تاجرة ما حييت، فلا حاجة لي بما لا يعنيني، قالت الكبيرة: إذن فلنذاكر تقويم البلدان فهو علم جميل مسل، قالت: وهل يهمني ذلك، وما ضرني إن صب النيل في البحر الأبيض أو الأسود، وما ينفعني إن رسمت البحر المتوسط أو المتطرف، وليس من عملي التوغل في البلاد، قالت الكبيرة: لعلك تريدين التاريخ فهو علم سهل مسل، قالت الصغيرة: لقد علمت أني لا أحب سماع الدروس، فلا تصدعي آذاني بسماع شيء منها، قالت: فما رأيك إذا قالت إني فتاة لا يطلب مني إلا البقاء في المنزل وتدبير شئونه، فلست أتعب نفسي فيما لا يتعلق بعملي هذا.
Página desconocida