وعلى قدر فضل الإنسان يكون حظه في الحياة الدنيا والآخرة، فإذا اتصف بالفضائل كان جديرا أن يرتفع بعد الضعة، ويسعد بعد الشقاء، ويغنى بعد الفقر، وإلا وضعته الرذيلة، ولو ارتفعت أجداده وجعلته سبة عليهم ووصمة في تاريخهم.
ومن نظر في التاريخ علم كيف ترفع المرء فضيلته. هؤلاء الخلفاء الراشدون - رضي الله تعالى عنهم - ارتقوا بالفضائل، فعاشوا مسودين، وماتوا مأسوفا عليهم، بعد أن خلفوا من الأثر الحميد ما زين كتب التاريخ، أسسوا الملك على دعائم العدل والحكمة، فأصلحوا الفاسد، ومنعوا الجور، وأدوا أعمالهم بالحزم والنشاط، فأصابوا حاجتهم، وسادوا معاصريهم من ملوك البلاد، وكانوا قدوة حسنة لمن بعدهم.
ولا فرق في التحلي بالفضل بين الرجل والمرأة؛ إذ إن كلا منهما يحتاج إلى الفضل احتياج العيون إلى الضوء، وتكاد المرأة تكون أشد احتياجا إلى ذلك من الرجل؛ لما تقوم به من تعهد الأطفال ومخالطتهم من ابتداء نشأتهم وما يتعودونه من طباعها في تلك المخالطة، وقد تكون هذه الطباع عادة لهم إذا كبروا؛ لتمكنها من نفوسهم الخالية.
وما من عصر خلا إلا واشتهرت فيه النساء بما اشتهر به الرجال، فقد اشتهرت نساء العرب بالوفاء والشجاعة والفصاحة، كما اشتهر ذلك عن رجالهن، ومنهن الخنساء، فقد اشتهرت بالشعر حتى فاقت الرجال فيه، والجيداء قد اشتهرت بالفروسية وقوة الساعد، والسيدة عائشة بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما؛ فقد كانت أحب أزواج النبي إليه؛ لما اتصفت به من الفضل وكمال الأدب، وكانت الرجال تقصدها بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم
لتسألها في العلم فتفتيهم فيه من وراء حجاب، وكان لها ذوق جميل في انتقاد الشعر والكلام العربي، وكانت ذات حزم وثبات وصبر، لا تهولها المصائب.
ويحكى أنها قامت على قبر أبيها يوم وفاته فخطبت وبينت حسن أفعاله وطاعته لله - سبحانه وتعالى - ولم يبد عليها جزع، بل كانت صابرة على ما ابتليت به، وكانت مع ذلك على جانب عظيم من الشجاعة والإقدام، فقد حضرت وقعة الجمل بنفسها؛ ولذلك اشتهرت أكثر من سائر أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم ، وخلد ذكرها في كتب التاريخ. (2) الصدق
الصدق إظهار الأمور على حقيقتها بالقول والعمل، فهو يفيد الإنسان علما صحيحا بالأشياء المحيطة به، ونعمت الفائدة؛ فإذا اعتاد الإنسان الصدق عرف به فأفاد الناس بصدقه، واستفاد منهم؛ لاعتمادهم عليه في القول والعمل، ونفيهم عنه سمة الكذب المهينة.
وإن عرف الإنسان بالكذب لم يكد
Página desconocida