2

Mustasfa

المستصفى

Editor

محمد عبد السلام عبد الشافي

Editorial

دار الكتب العلمية

Edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٣هـ - ١٩٩٣م

Regiones
Irán
Imperios
Selyúcidas
وَنَقْلِيٌّ مَحْضٌ كَالْأَحَادِيثِ وَالتَّفَاسِيرِ، وَالْخَطْبُ فِي أَمْثَالِهَا يَسِيرٌ؛ إذْ يَسْتَوِي فِي الِاسْتِقْلَالِ بِهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْحِفْظِ كَافِيَةٌ فِي النَّقْلِ وَلِيس فِيهَا مَجَالٌ لِلْعَقْلِ. وَأَشْرَفُ الْعُلُومِ مَا ازْدَوَجَ فِيهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَاصْطَحَبَ فِيهِ الرَّأْيُ وَالشَّرْعُ، وَعِلْمُ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ صَفْوِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ سَوَاءَ السَّبِيلِ، فَلَا هُوَ تَصَرُّفٌ بِمَحْضِ الْعُقُولِ بِحَيْثُ لَا يَتَلَقَّاهُ الشَّرْعُ بِالْقَبُولِ وَلَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَحْضِ التَّقْلِيدِ الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ الْعَقْلُ بِالتَّأْيِيدِ وَالتَّسْدِيدِ.
وَلِأَجْلِ شَرَفِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَسَبَبِهِ وَفَّرَ اللَّهُ دَوَاعِيَ الْخَلْقِ عَلَى طَلَبِهِ وَكَانَ الْعُلَمَاءُ بِهِ أَرْفَعَ الْعُلَمَاءِ مَكَانًا وَأَجَلَّهُمْ شَأْنًا وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا وَأَعْوَانًا؛ فَتَقَاضَانِي فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِي اخْتِصَاصُ هَذَا الْعِلْمِ بِفَوَائِدِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ أَصْرِفَ إلَيْهِ مِنْ مُهْلَةِ الْعُمُرِ صَدْرًا وَأَنْ أَخُصَّ بِهِ مِنْ مُتَنَفَّسِ الْحَيَاةِ قَدْرًا، فَصَنَّفْتُ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بَعْدَهُ عَلَى عِلْمِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ وَمَعْرِفَةِ أَسْرَارِ الدِّينِ الْبَاطِنَةِ فَصَنَّفْتُ فِيهِ كُتُبًا بَسِيطَةً كَكِتَابِ " إحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ " وَوَجِيزَةً كَكِتَابِ جَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَوَسِيطَةً كَكِتَابِ كِيمْيَاءُ السَّعَادَةِ.
ثُمَّ سَاقَنِي قَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مُعَاوَدَةِ التَّدْرِيسِ وَالْإِفَادَةِ، فَاقْتَرَحَ عَلَيَّ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَصِّلِي عِلْمِ الْفِقْهِ تَصْنِيفًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْرِفُ الْعِنَايَةَ فِيهِ إلَى التَّلْفِيقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّحْقِيقِ وَإِلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْإِخْلَالِ وَالْإِمْلَالِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ فِي الْفَهْمِ دُونَ كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْأُصُولِ " لِمَيْلِهِ إلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالِاسْتِكْثَارِ، وَفَوْقَ كِتَابِ " الْمَنْخُولِ " لِمَيْلِهِ إلَى الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ، فَأَجَبْتُهُمْ إلَى ذَلِكَ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ، وَجَمَعْتُ فِيهِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّحْقِيقِ لِفَهْمِ الْمَعَانِي فَلَا مَنْدُوحَةَ لِأَحَدِهِمَا عَنْ الثَّانِي، فَصَنَّفْتُهُ وَأَتَيْتُ فِيهِ بِتَرْتِيبٍ لَطِيفٍ عَجِيبٍ يَطَّلِعُ النَّاظِرُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى جَمِيعِ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ وَيُفِيدُهُ الِاحْتِوَاءُ عَلَى جَمِيعِ مَسَارِحِ النَّظَرِ فِيهِ، فَكُلُّ عِلْمٍ لَا يَسْتَوْلِي الطَّالِبُ فِي ابْتِدَاءِ نَظَرِهِ عَلَى مَجَامِعِهِ وَلَا مَبَانِيهِ فَلَا مَطْمَعَ لَهُ فِي الظَّفَرِ بِأَسْرَارِهِ وَمَبَاغِيهِ؛ وَقَدْ سَمَّيْتُهُ كِتَابَ " الْمُسْتَصْفَى مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَسْئُولُ لِيُنْعِمَ بِالتَّوْفِيقِ وَيَهْدِي إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ وَهُوَ بِإِجَابَةِ السَّائِلِينَ حَقِيقٌ.

1 / 4