Música Oriental y Canto Árabe
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
Géneros
ومن أحسن ما وصفه به المرحوم: محمد العقاد الكبير فقال: «إنه كان يخيل إليه عندما يبدأ عبده غناءه أن آنية من الورد والزعفران قد أفرغت على رجال التخت، وأن أرض السرادق قد غطيت بالآس والرياحين والفل والياسمين فتسطع الحاضرين رائحة أطيب من فأرة مسك، فضلا عن أنه كان يشبه له أنه يرى حول عنقه أطيارا من الجنة تغني معه وتناغى مناغاة الحمام وتنوح وإياه، ناهيك بألحانه الساحرة الفذة وابتساماته وإشاراته التمثيلية التي تبث في النفوس الجذل والغبطة والسعادة ونعمة البال والإقدام والرجولة. وكان صوته مليئا ويكنى فنيا بالتينر والباريتون
barytone, tenor »، وقد روي عنه أن غنيا دعاه إلى داره في الإسكندرية تمهيدا للاتفاق على الغناء في ليلة زواج ابنه. وكان ذلك الغني جامد الكف فأنف منه عبده وغادر داره بدون أن يلبي طلبه. وبينما هو عائد إلى الفندق وجد امرأة شمطاء على باب دار معلقا عليها بضع رايات، ومرصوصا في فنائها وخارجها بعض مقاعد خشبية «دكك» فعرف بداهة أن ذلك باكورة تجهيز عرس قريب مزمع إقامته في تلك الدار الحقيرة، فعرض نفسه للغناء بالمجان وعرفها نفسه، وسألها عن اسم صاحب الدار فأجابته المرأة وقالت: «هل ما تقوله حلم أو علم» وأني لمثلنا أن يستحضر عبده الحمولي مطرب ساكن الجنان ولي نعمتنا الخديو إسماعيل، ونحن لا نملك شروى نقير»، فأكد لها تحقيق الحلم وغنى في الليلة المعينة مطيبا قلوب أصحاب البيت الكسيرة؛ نكاية بذلك الغني المقتر، وإسداء للمعروف، مصداقا لما رثاه به المرحوم أحمد شوقي أمير الشعراء إذ قال ضمنا:
يحبس اللحن عن غني مدل
ويذيق الفقير من مختاره
وهناك نوادر أخرى ومميزات اختص بها عبده تنبه لها العارفون بفن الغناء، ووقف معاصروه على كنهها اكتفيت فيها بما ذكرته هنا، فلو أردت استيفاء الكلام على جميع خصاله ومناحي حياته الشخصية والفنية والاجتماعية لطال بي القول بما لا يحتمله هذا المجال.
وقد مات عبده (رحمه الله) في مدينة حلوان بالسل الرئوي في فجر اليوم الثاني عشر من شهر مايو سنة 1901 بعد أن صنع في حياته العظائم، وأقام للموسيقى الشرقية والغناء العربي بناء رفيع الدعائم. فلا تحسبن يا صاح أنه مات وهجع، وهمد صوته الرخيم الرنان، وسكنت جوارحه وخرس لسانه، وقطع حبل نبراته العربية؟ كلا. فإنه لم يمت، ولم ينم، لكنه استيقظ من حلم الحياة، بل تحقق حلمه على حد قول الإمام كرم الله وجهه: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». أما نحن البشر فإننا بعكسه نسير بعد في طريق وعث المبتغي وتنشب بيننا حرب ضروس لا يغني قتالنا عنها فتيلا. والحق الذي لا ريب فيه الجهر بأنه حي في السماء فسح له ربه بجواره مكانا سنيا، تغمده الله برحمته وأجمل جزاءه في دار النعيم .
وإثباتا للحكمة المأثورة عن الإمام علي نورد هنا قطعة شعرية نفيسة عن خلود النفس للشاعر الإنكليزي (شلي) بنصها لشدة ارتباطها بالموضوع وهي:
He hath awakened from the dream of life. 'T’is we who, lost in stormy visions keep,
With phantoms an unprofitable strife.
He has outsoared the shadow of our night....
Página desconocida