بعد موت خطيبي شون، بدأت أشك في أن حاسة شمي لتعاسة الآخرين باتت أكثر حدة من الشخص المعتاد. وأنني بمجرد أن تتولد لدي مشاعر السعادة صدفة، أريد أن أدمرها بنفسي على الفور. أو أبحث عما يدمرها. وفي الحلم ظهر ذلك المقص الخليع المألوف لدي مرة أخرى. قطع المقص سعادتي إربا، إربا، ثم قطع ردائي المقدس طولا، وحاول أن يعريني. وعندما حاولت أن أحمي نفسي من هجوم ذلك المقص باستماتة صرخت بأعلى صوتي، فاستيقظت من النوم.»
22
كانت رسالة ريكو طويلة جدا، ومليئة بالتفاصيل الدقيقة؛ ولذلك من الأفضل أن أوجز أنا النصف الأخير منها.
في اليوم التالي كانت ريكو على وشك الذهاب والنزول ناحية البحر، ولكن أعاقها مرة أخرى عن ذلك هيئة طائر الغاق الأسود فوق الصخور؛ أي هيئة الشاب الذي يرتدي السترة السوداء. ولكن هذه المرة استجمعت شجاعتها واقتربت بنفسها تجاه الشاب.
ويمكننا هنا أن نكتشف عندها مقياسا جديدا للسلوك. إنه غريزة الحماية. كانت تلك الغريزة مفيدة في حثها على التوجه نحو الهدف، وهي تعطيها الحجة أنها تسلك سلوكا أخلاقيا بمشاعر المسئولية. وكما تقول هي بنفسها، كانت قد أصبحت حساسة حساسية غير طبيعية تجاه الموت والمرض.
ولا داعي لذكر أن ذلك الشاب كان يخفي رغبته في الانتحار. وتبادلت هي وذلك الشاب الحديث التالي فوق الصخور. - «لقد كنت خائفة حقا وأنا أصعد حتى هذا المكان. يا لك من شجاع حتى تأتي إلى هنا لمشاهدة البحر.» - «دعيني وشأني.» - «لقد رأيتك أمس أيضا.» - «من الأفضل أن تتركيني في هدوء.» - «الأمر يدعو للفضول.» - «... ... ...» - «أنت تقيمين في الفندق أليس كذلك؟» - «بلى.» - «إلى متى؟» - «... لا أدري إلى متى!» - «أنا كذلك.» - «... ... ...» - «أعتذر لك عن التطفل، ولكن، ألا تفكر في الانتحار؟»
توجيه ذلك السؤال الوقح بتلك الصراحة ينم عن طريقة ريكو، ولكن الشاب الذي أجاب على ذلك، لم تعتره الدهشة مطلقا بل بقي على نفس ابتسامته الفاترة كما هي: - «بلى، هو كذلك. وماذا يعنيك؟» - «إنني أدرك ذلك بطريقة ما. ولكن لا تقلق لم آت لمنعك.» - «لن أطلب منك رعايتي.»
بعد ذلك الحوار المتقطع، نزلت ريكو من فوق الصخرة بمشاعر مبتهجة بلا سبب، ولكن الشاب الذي كان حتى ذلك الوقت يودعها في برود نزل فجأة من فوق الصخرة ولاحقها، ثم قال لها ما يلي: «لا تخبري أحدا في الفندق؛ لأن ذلك سيزعج الجميع. أضيفي إلى ذلك أن قولي إنني سأنتحر لمجرد إرضاء فضولك فقط؛ مجرد مزاح لا معنى له. إذن ألا تعديني بأنك لن تخبري أحدا؟»
عندها تمكنت ريكو من تفحص وجه الشاب بإمعان. كان وجها أبيض متناسق الملامح، وعيناه صافيتين، ولكن تنعدم فيهما روح الحياة. إن العذاب النفسي، على الأرجح، الذي جعله يحاول الانتحار، هو الذي سبب انعدام روح الحياة، ولكن في الأصل تنبعث من إحساس بشرته، ومن ملامح وجهه صفات النبات. بأي حال، من البداية، كان حدس ريكو يشعر أنه كائن حي غير خطير؛ ولذا استطاعت الاقتراب منه بجراءة إلى تلك الدرجة.
ومنذ ذلك الوقت بدأ استجواب ريكو بلا استحياء. وبعد العودة للفندق، طوال عصر ذلك اليوم إلى ليله، حاولت ريكو عبر التحجج بأمور أخرى، البحث تدريجيا عن الدافع إلى الانتحار. ولكنه كان يتلاعب بالكلمات يمينا ويسارا ولا يبوح بها بسهولة. كان ذلك الاستجواب قد أصبح في ذلك الوقت أهم عمل في حياة ريكو، وباتت الأسئلة والإجابات الغامضة لعبة بين الاثنين لا نهاية لها، وبدا أن الشاب بدأ يستمتع بذلك.
Página desconocida