El problema de las ciencias humanas: su codificación y la posibilidad de su solución
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Géneros
ومهما يكن الأمر، فإن الفينومينولوجيا - مرة أخرى - تسلك طريقا موازيا لبحثنا هذا، ليس بمتلاق معه، والتوغل فيها، وتحديد مدى جدواها،
20
أكثر مما فعلنا استطرادا وخروجا عن التسلسل المنطقي لعناصر بحثنا هذا.
من الناحية الأخرى نلاحظ أن الفينومينولوجيا شأنها شأن كل فلسفة قامت كي تناهض مثاليات العلم الطبيعي وتنشق عنها؛ لأنها تشيء الإنسان وتموضعه وتجرده من إنسانيته، أو على الأقل لا تلائمها ... إنما تناهضها؛ لأنها وقفت بتفكيرها عند مرحلة العلم الكلاسيكي الحتمي، وتعجز عن استيعاب ثورتي الكوانتم والنسبية (أي الإبستمولوجيا العلمية المعاصرة) التي نفت الحتمية، وقلبت مثالياتها.
يتضح هذا من موقف الفينومينولوجيين في علمي الاجتماع والنفس. فقد لجئوا إلى الفينومينولوجيا عزوفا عن أي افتراضات حتمية، ورؤية الإنسان واقعا في شراك الأبنية الوراثية والاجتماعية التي تحدد له سلوكه، وما سوف يفعله، وسعيا وراء نظرة أخرى تؤكد حرية وتفرد الإنسان، وقدرته على خلق وتشكيل عالمه الاجتماعي. باختصار يرى الفينومينولوجيون الإنسان باعتباره كائنا خلاقا يتمتع بسمة أساسية هي إضفاء المعاني، ويتشكل سلوكه في إطار وعيه.
21
بينما ينفي العلم الكلاسيكي هذا من حيث كانت الحتمية تنفي حرية الإنسان.
22
وفي كل هذا قامت الفينومينولوجيا أساسا لتفادي الأخطاء المنهجية التي وقعت فيها العلوم الإنسانية، بتبنيها الأعمى لمسلمات المنهج في العلوم الطبيعية الكلاسيكية، واتخاذها مثالياتها التي يلخصها مبدأ الحتمية. ويتمثل هذا التبني على وجه الخصوص في الوضعيين من علماء الاجتماع وزملائهم السلوكيين في علم النفس. •••
ولكن الحق الذي لا مراء فيه، والذي تؤكده النظرة الأولى لتاريخ العلوم الإنسانية الحديثة، هو أن فيالق باحثي الوضعية والسلوكية قد أنجزت حصادا هائلا، وهو الذي جعل العلوم الإنسانية تقف على قدميها، وتشق طريق العلم لتمخر عبابه، وتؤهلها أصلا للدخول في مقارنة مع العلوم الطبيعية، وتنامى هذا الحصاد منذ أواسط القرن العشرين، لا سيما بعد أن تسلحت بمناهج الإحصاء والاحتمال التي كانت ترفضها في القرن الماضي سعيا وراء وهم اليقين النيوتوني، والتحديد الفردي المطلق للفيزياء الكلاسيكية برياضياتها الإقليدية.
Página desconocida