El problema de las ciencias humanas: su codificación y la posibilidad de su solución
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Géneros
على أي حال، كانت نظرية نيوتن في الجاذبية بقوانينها الثلاثة للحركة هي النظرية الفيزيائية العامة أو البحتة؛ أي التي تضع الأسس والأطر المنطقية لنسق العلم الفيزيائي، الذي يضع بدوره - نظرا لعمومية الفيزياء، وشموليتها، وتربعها على قمة نسق العلوم الإخبارية - الأسس والأطر المنطقية لنسق العلم ككل.
33
وبفضل هذه الأسس التي أحكم نيوتن صياغتها كانت نشأة ونمو سائر أفرع العلم الحديث، الطبيعية والإنسانية.
ومع نجاح النيوتنية الذي كان يتأكد يوما بعد يوم، ساد الظن أنها أشمل - أو بالتعبير المنطقي الدقيق أعم - نظرية ممكنة، أحاطت بالحقيقة القصوى للكون الذي نوجد فيه. واستمرت تمضي قدما في طريقها المظفر حتى نهايات القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين؛ حيث وصلت إلى طريقها المسدود بتطرق العلم إلى الظواهر الميكروسكوبية التي لا تدركها الحواس المجردة: الحركة الغازية، الحركة البراونية، أو الحركة الدائمة لجزيئات السائل نسبة إلى روبرت براون مكتشفها، وظواهر الديناميكا الحرارية. فهي ظواهر تخل بقوانين نيوتن.
على أن الغرور العلمي الأهوج الذي ساد جراء نجاح النيوتنية قد تلقى الضربة القاضية من الذرة والإشعاع. قد عجزت النيوتنية عن الإحاطة، أو حتى التعامل مع عالم الذرة، وما دون الذرة من جسيمات دقيقة، وأصبح من الضروري البحث عن طريق جديد أبعد أكثر تقدما من كل ما أحرزته الفيزياء الكلاسيكية. لا سيما بعد أن سقط فرض «الأثير» جراء تجربة ميكلسون مورلي. وكان الأثير الكاذب ضروريا لكي تستوعب الفيزياء الكلاسيكية ظواهر الضوء والإشعاع المتأبية على التفسير الميكانيكي السطحي. لقد أدركنا أن نظرية نيوتن بكل ما أحرزته من نجاح طبق الخافقين، محض فرض تفسيري ناجح في حدوده، حدود التعامل مع العالم الأكبر، كتل الطبيعة الماردة البادية للحواس، ولا تجرؤ على اقتحام الفيزيقي الرابض خلفها، وفي أعماقها.
فشهدت مطالع القرن العشرين ثورتي: النظرية الكمومية
34
التي طرحها ماكس بلانك في 17 ديسمبر 1900، والنظرية النسبية، لا سيما الخاصة التي أعلنها ألبرت أينشتين عام 1905.
إن ثورة النسبية والكمومية لهي قطعا أعظم ثورة على وجه الإطلاق أحرزها العقل البشري حتى الآن ، وأجرأ وأوسع قفزة تقدمية أنجزها الإنسان. لقد أقامتا نسق العلم الإخباري على مصادرات مختلفة، وقلبتا - رأسا على عقب - مسلمات الفيزياء الكلاسيكية: كالحتمية الميكانيكية والعلية واطراد الطبيعة وثبوت ويقين قوانينها، والضرورة لكليهما، والموضوعية المطلقة ... إلخ، وسوف يتعرض الفصل السادس من البحث (الإبستمولوجيا العلمية المعاصرة) لهذا بشيء من التفصيل. يهمنا الآن تأكيد أن هذه المبادئ لم يكن أحد يجرؤ على مجرد رفضها، فضلا عن قلبها، بحيث أصبح لدينا الآن حد فاصل بين الإبستمولوجيا العلمية الكلاسيكية قبلهما، وبين الإبستمولوجيا الحديثة، أو بالأدق المعاصرة بعدهما.
35
Página desconocida