66

Problemas con los extraños: Un estudio en filosofía de la ética

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Géneros

يفترض كانط أن الأخلاق تشمل قيمة ما غير مشروطة، شأنه في ذلك (كما سنرى) شأن فلاسفة الأخلاق اللاكانيين، وإلا فسنكون عرضة - في نظر كانط إن لم يكن عند لاكان كذلك - للوقوع في فخ النسبية الأخلاقية. ولا يبدو أن من يقدمون هذا الطرح يدركون أن المؤمن بالمذهب النسبي عادة ما يكون الوجه الآخر للسلطوي، الابن الأوديبي الثائر على الأب الخارق للطبيعة. فالذين يؤمنون بأن القيمة الأخلاقية يجب أن تكون مجردة، يرون أن ما يقصر عن الحالة المجردة سيكون حتما كالفوضى المرعبة، فهم لا يرون أن العقلانية والفوضى متلازمان، وتكون الفوضى في أغلب الأحوال هي ما يستبعده النظام العقلاني.

من الصعب المبالغة في تصوير النتيجة الراديكالية العجيبة لطرح كانط؛ فأن تعيش حياتك مثل نيلسون مانديلا مثلا يحركك الغضب والشفقة من أجل تغيير حال الملايين غير المعروفين لك شيء جيد تماما؛ لكنه ليس بأي حال أفضل من التأكد أن امتناعك عن سرقة ثمرة خوخ لا يكون بدافع خوفك من بائع الفاكهة بل لأنك تلتزم بفعلك بقانون يمكن أن يلزم كل السارقين المحتملين كذلك. إن في هذا الفعل - وليس في إعطاء كسرة خبز لسائل بدافع الشفقة - يكمن الجمال الأخلاقي الحقيقي، أو ما قد يسميه كانط السمو الحقيقي (لأن القانون الأخلاقي مثل الرب يتجاوز التمثيل التصويري). هذه الفكرة مدهشة بقدر ما هي قاسية. فهي تضمن - في أكثر صورها تطرفا - إطلاق الحكم السار الجاف الذي أصدره بيرنارد ويليامز على العقلاني المتطرف ويليام جودوين «برفضه العقلاني الصارم احترام أي اعتبار يراه الإنسان العادي قهريا.»

14

كم من الغريب أن نتصور - كما فعل كانط - أننا إن حركنا الحب أو الرحمة فإننا غير أحرار! يمكننا الزعم بأن رؤيته للإنسانية سامية جدا ووضيعة جدا في آن واحد. أو بعبارة ميلان كونديرا، ملائكية جدا وشيطانية جدا في نفس الوقت؛

15

إذ توجد الاثنتان بصفة عامة جنبا إلى جنب؛ فعندما يكون الوجود الاجتماعي «شيطانيا» تحكمه الشهوات والمصالح الشخصية، ستظهر عامة حاجة موازية لأيديولوجيا «ملائكية» لتعطي الشرعية لهذه الحقيقة، فالقيمة الأخلاقية ستحتاج للاحتكاك بأقل قدر ممكن مع الحقيقة التجريبية. وهذا أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة، وهي أحد المجتمعات التي تموج بالمادية، يستحوذ عليها أيضا خطاب عام جاد أخلاقي سام بصورة هزلية. ثمة رؤية أقل سموا بعض الشيء عن رؤية كانط تخلط بين الضمير والعاطفة، يطرحها الفيلسوف الإنجليزي جوزيف باتلر، الذي تحظى عنده العاطفة التلقائية بالاستحسان، لكنها تزداد قيمة عندما تستقر في مبدأ ثابت.

إلا أن رؤية كانط أكثر جمودا من هذا؛ إذ لا يمكن استخلاص قانون عام حقيقي من الرغبة المشتركة في تحقيق السعادة؛ حيث إن كل شخص يرغب في تحقيق السعادة بطريقته الشخصية الخاصة؛ ومن ثم يظل المنطق الأخلاقي أسيرا للخصوصية العمياء، فيجب أن يكون ثمة أساس أكثر إطلاقا وعمومية للأخلاق من هذا، صورة علمانية نوعا ما للرب المطلق الذي شأنه شأن كل القيم المطلقة أن يحمل مقوماته بالكامل في ذاته. فكما أن الرب هو السبب الأبدي في وجود ذاته، كذلك القانون الأخلاقي عند كانط الذي هو غاية الجميع بالضرورة لأنه غاية في نفسه، فهو كل ما يمكن أن ترنو إليه إرادة البشر، بعيدا عن تطلعاتهم وميولهم وهو بالتبعية ما يمكنهم كذلك أن يريده بعضهم لبعض. من هنا يأتي الأمر المطلق المشهور: لا تتصرف إلا تبعا لقاعدة يمكن اعتبارها قانونا عاما، فإن كانت بشريتك تعني أن تكون عقلانيا، إذن فالتصرف العقلاني حتما هدفه إلزام سائر من سواي بطريقتي في التصرف؛ فالحرية هي تحرير النفس من كل الأشياء والرغبات المحتملة، وكل ما يسمى بالمصالح «المرضية» في سبيل عدم التصرف إلا تبعا لقانون يضعه الفرد لنفسه، قانون واضح تحيط به هالة تجعله هدفا في ذاته من دون أي اعتبار للطبيعة المميزة لهذا الفرد أو ذاك؛ ومن ثم تجعله يطبق تطبيقا عاما. ولأننا نفرض هذا القانون على أنفسنا فهو يمثل أساس حريتنا؛ حيث إن الحرية مرادفة لتقرير الذات. سينتاب الأجيال اللاحقة شك أكبر في هذا الادعاء؛ حيث سيشكون في أن القوانين التي نفرضها على أنفسنا هي عامة الأكثر قسرية وصرامة من غيرها. ثمة بعض القسر - كما يرى تيودور أدورنو - في حرية كانط التي من المفترض أنها غير مرضية في ظل القانون، وهو ما سيسميه فرويد الأنا العليا.

إن هذا في واقع الأمر هو الجانب الخفي البغيض لنظرية أخلاق كانط التنويرية. فلأنه لا يمكننا أبدا تبرير أفعالنا أمام القانون، فهو ينمي فينا إحساسا دائما بالقلق أو الغربة، وهو ما لا يقل عن الإحساس بأننا خاضعون؛ فالقانون الأخلاقي إله قاس، فهو - في أقصى درجات ساديته القاسية - يختزلنا بترهيبه عديم الحس لنا إلى كائنات معدومة الوجود، وأشياء لا أهمية لها، وأجزاء من المادة لا معنى لها؛ فالمعادل للقانون الأخلاقي السامي هو الإنسان باعتباره بقايا وفضلات وكتلة من السلبية الخالصة. فالذات إذ تمر بانعدام الإحساس القاتل هذا - لأن القانون خال تماما من المادة - تعاني من كارثة أو انهيار للمعنى، انهيار يمثل حالة طوارئ دائمة وليس نوبة ذعر مؤقتة. ومن هذا المنطلق، يحتوي القانون الرمزي في جوهره على ما سيسميه لاكان النظام الواقعي، أي الحالة التي نكون فيها معدمين، منتزعين من مكاننا، واقعين في هاوية اللامعنى، يسحقنا جوهر قاتل من انعدام المعنى أقرب إلينا من أنفاسنا.

ثمة توتر في لب الفكر الأخلاقي بين العام والخاص؛ فالسلوك الأخلاقي شأن مادي، يرتبط باحتياجات الإنسان الفاني ورغباته، وهو جزء من تواصلهم التعبيري أو الرمزي؛ ومن ثم فهو بالضرورة خاص؛ لكنه من المفترض أن يمتد إلى ما وراء هذه الخصوصية، إلى فضاء أكثر عمومية. وسيبدو من الغريب أن نقول إن التعذيب مباح لي لكن غير مباح لك، أو أن نساوي بين عبارات مثل «اقتلاع العين حرام» وتعبيرات تخص الذوق الشخصي مثل «الكرنب مقزز»، فالأخلاق شأنها شأن اللغة واسعة في عموميتها ومتناهية في خصوصيتها، فهي تتضمن مفاهيم خاصة كما تتضمن مفاهيم عامة. يفرق جيه إم بيرنشتاين بين «الأخلاق» - أي ما يسميه المبادئ العامة «المركزية» - وتلك المفاهيم «الأخلاقية» الوصفية أو التقييمية السابقة منطقيا على هذه القيم العامة التي إن كانت ضرورية فهي هزيلة.

16

Página desconocida