118

Problemas con los extraños: Un estudio en filosofía de la ética

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Géneros

كذلك فإن المسئولية المطلقة هي في الحقيقة مثال لمفهوم «اللاتناهي الزائف» عند هيجل. فمن السخف القول مثلا إنني مسئول مسئولية مطلقة عن الشرطة السرية التي تعذبني. أما بخصوص الانفتاح والتقبل، أليس من الواجب أن تحكمه سرا بالفعل معايير أخلاقية منظمة إن أردنا التمييز بين الانفتاح على الشخص المعدم الذي يتسول منا من أجل الحصول على الطعام وبين الانفتاح على من يهربون المخدرات إلى أطفال المدارس؟ لا شك أن علينا احترام الوجود المستقل لهؤلاء المهربين وأن نشعر بالصدمة والاشمئزاز نتيجة وجودهم المتعالي؛ لكن الأخلاق تعني أن نفعل ذلك مع منعهم مما يفعلون وليس في إطار إحساس سام باختلافهم؛ فإياجو يتقبل عطيل؛ لكن هذه الصورة من الحساسية المفرطة تعرف بالكراهية الحاقدة؛ فالانفتاح كالإخلاص شرط لا غنى عنه لا يعد شيئا في ذاته. فبالنظر المجرد إليه في ذاته نرى أنه أجوف على نحو مبهم كما الأمر المطلق عند كانط. فالوصية المسيحية اليهودية هي حب الجار بما فيه من غيرية، وهو ما يعني حبه «في النظام الواقعي» وليس حب غيريته.

يتمكن فكر ليفيناس الأخلاقي أحيانا من إخفاء تلك الحقيقة؛ حيث إنه يركز على علاقة الإنسان الإيثارية مع الآخر الكبير؛ وهو يفعل ذلك لأن النظر إلى الآخر الكبير من منظور النفس يبدو تكرارا لخطيئة غربية معتادة. فالنفس والآخر الكبير - كما رأينا - من المفترض أنهما غير متناسبين، بمعنى أنه رغم أنني قد أحل محلك فلا يمكنك أن تفعل نفس الشيء معي. لكن هذا بالطبع يصح من الناحية الفينومينولوجية فقط. أما من منظور ما يسميه ليفيناس «الطرف الثالث» أو النظام الرمزي ، فمن الواضح أن الآخر الكبير يتحمل تجاهي نفس المسئولية التي أتحملها تجاهه، وهي حقيقة يدركها ليفيناس بطبيعة الحال. إذا فهو يقدم لنا نموذجا معدلا من فكر سبينوزا؛ فنحن في نظر سبينوزا - كما رأينا - موجودون من الناحية الفينومينولوجية كما لو كان العالم يتمحور حولنا في الوقت الذي نعي من الناحية النظرية أن هذا التمركز حول الذات؛ حيث إنه موجود عند كل الناس، يناقض نفسه. أما ليفيناس فيرى أن الحياة السليمة أخلاقيا تعني العيش الذي لا يتمحور حول الذات، بإدراك أنني من بين كل الناس الأكثر بؤسا، مع الوضع في الاعتبار أن هذا من الناحية النظرية وهم بالضرورة. إنه وهم لأنه إن جرى تعميمه على كل الناس - كما يجب أن يعمم - فهو يبطل. فما هو حقيقي عندي من الناحية الفينومينولوجية حقيقي فعلا لكنه زيف عند الإغريق وليس الحقيقة التي توجد في الفلسفة. إن ما يبينه علم الأخلاق هو ما لا يؤمل من الأنطولوجيا أن تدركه؛ فالأخيرة تعنى بما نشترك فيه بينما يعنى الأول يما يندرج في نطاق الفردية. لكن ماذا لو لم يكن علم الأخلاق والأنطولوجيا متعارضين لهذا الحد؟ ماذا لو كان البؤس غير المحدود هو ما نتشاركه؟ إن كانت نظرة الآخر الكبير لي (باعتباري منبوذا ومصدوما وأسيرا وغير ذلك) مثل نظرتي إليه، إذا فاللاعلاقة بيننا - إن جاز التعبير - تصبح متماثلة؛ فالمساواة والتماثل إذن لا يستبعدهما بسرعة الآخر الكبير الملح. إن أرضية صدمتنا المشتركة - أي نطاق النظام الواقعي المشترك - هي التي تصير فيها المواجهة الحرة العادلة المرضية بيننا ممكنة.

والمفارقة الفينومينولوجية هي أنني لا يسعني معرفة درجة الغيرية إلا بقدر ما أشعر بها في نبضاتي؛ وبذلك أخاطر بضياعها من خلال هذا الفعل. وهكذا هناك خطر أن يوجد تناقض بين نهج ليفيناس الفينومينولوجي وعقيدته الأخلاقية. إلا أنه هو نفسه يزعم أن هذا لن يؤدي بنا بالضرورة إلى الدخول في مأزق أنوي كالذي يواجهه أحد أتباع هوسرل؛ ليس فقط لأن الآخر الكبير موجود أمامي على مستوى أعمق بكثير من المستوى الأنوي (بل أعمق بكثير من مجرد «الوجود»)، لكن لأن ما تكشفه فينومينولوجيا الآخر الكبير هو أن فرديتي الثمينة ما هي إلا ارتباط هش بالغيرية. فمعنى الحياة بكل جوانبه يتجاوزني؛ وبالتالي تهذب الأنا القلقة على ذاتها وينقذها الآخر الكبير من أوهامها النرجسية. لكن هذا كله يبقى في إطار علاقة فينومينولوجية محددة مع الآخر الكبير، وتتقيد تأملات ليفيناس الأخلاقية بهذه الحقيقة؛ فبالخروج من هذا الإطار الفينومينولوجي - الذي يرى فيه الآخر الكبير دائما على أنه أعلى مني - يمكنني أن أدرك أنه في الحقيقة ليس إلا صورة من الخضوع لي، الممتزجة بالشعور بالذنب، مثلما أنا خاضع له. فإن كان هذا هو الحال إذا فإن هذه الغيرية أو الخدمة المتبادلة، إن تغير شكلها بطريقة ملائمة، قد تمهد الطريق نحو علاقة لها شكل مختلف تماما؛ علاقة يتحول فيها الاعتماد المشترك إلى شرط للحرية المشتركة، ويصير فيها العطاء الذاتي مصدر الرضا الذاتي. وتلك ستكون، من بين أشياء أخرى، إحدى وسائل الاتفاق على التحول من النظام الأخلاقي إلى النظام السياسي، بحسب تعبير ليفيناس نفسه. وبما أن «القانون» الذي يواجهه الفرد في هذه الحالة لم يعد «أنا عليا» مستبدة، بل قانون رضا الإنسان برضا الآخر ومن خلال رضائه؛ فالنتيجة ستكون التخفيف من الذنب الذي يكمن بنظر ليفيناس في جوهر النظام الأخلاقي. لكن يمكننا الزعم أن الفضيلة الحقيقية هي بنحو أو آخر نقيض الذنب؛ لدرجة أن أي نظرية أخلاقية - كنظرية ليفيناس أو دريدا التي يؤدي فيهما الشعور بالذنب دورا محوريا؛ فضلا عن أن يكون مفهوم الازدهار الإنساني فيها غريبا بصورة كبيرة - هي نظرية بها خلل شديد. فلا يشعر ليفيناس بالذنب في حضور الآخر الكبير فحسب، بل يشعر أيضا به تجاه أفكار السعادة والحرية والإشباع والرضا الذاتي. ومن الصعب أن نرى كيف لشعوره هذا بالذنب تجاه هذه المفاهيم - فضلا عن الكراهية تجاهها في بعض الأحيان - أن يخدم الآخر الكبير فعلا؛ فمصلحة الآخر الكبير ليست في تمزق الذات.

يناصر فلاسفة الأخلاق في القرن الثامن عشر الذين تناولناهم وجود تبادل للتعاطف مع الآخرين، لكنه تبادل يتمتع ربما بسلاسة مريبة؛ فيبدو هذا النوع من التعاطف على درجة من التلقائية والدفء أكبر من أن يكون تعاطفا أخلاقيا كاملا. أما كانط وليفيناس في المقابل فهما منكبان على إخضاع الناس للقانون الأخلاقي أو الآخر الكبير. من وجهة نظر مسيحية يهودية، فإن كلا الاتجاهين في الفكر الأخلاقي - اتجاه التعاطف واتجاه التضحية - يشوههما انفصال كل منهما عن الآخر؛ فمناصرو الرضا الذاتي يعجزون بصفة عامة عن فهم ما سيترتب عليه فعليا عدم تقييد الذات المؤلم، وخاصة إن كان ذلك متاحا من الناحية السياسية للجميع. أما مؤيدو اتجاه التضحية من جانبهم، فيبدو أنهم لا يرون أن نكران الذات هذا إذا لم يكن باسم حياة أكثر سعة من جميع النواحي، فإنه لن يتعدى كونه إلزاما رهيبا؛ فالتضحية مسار ثوري من المظلومية إلى السلطة، وهو انتقال عنيف من البؤس إلى الثراء. وهي ليست هدفا في ذاتها، لكنها للأسف قد تكون شرطا مسبقا أساسيا لما قد يبدو نقيضا لها للوهلة الأولى؛ وهي أخلاق المتعة، والرخاء، والرضا الذاتي بخدمة الآخرين. وهذا شيء باعث على الأسى.

إن اللامتناهي يتجسد عند ليفيناس في البشر؛ إذ إن البشرية تعني أن يبدي الفرد غيرية مطلقة لا يمكن قياسها كما هو حال اللاتناهي ذاته. وهنا تكمن مفارقة من نوع خاص؛ فالفناء يعني أن تكون متناهيا؛ لكنه يعني أيضا إدراك التناهي الذي يرمز له موت الفرد؛ ومن ثم (بما أنه لا يمكن لأحد أن يموت بدلا مني) إدراك التفرد الذي لا يضاهى. لكن هذا التفرد - إذ إنه لا يعوض ولا يقاس ولا يستنسخ - يمكن اعتباره نوعا من اللاتناهي؛ فليفيناس مثل كيركجارد تستولي عليه حقيقة تربك العقل - حقيقة هامة وتافهة معا - هي أن الفرد هو نفسه وليس شخصا آخر إلى الأبد. لذا فالتناهي - للمفارقة - يغذي الوعي بنقيضه، مثلما يفعل في نظرية السمو الجمالية عند كانط. لكن هذا ليس لا تناهيا يتجسد بنظر ليفيناس في التاريخ أو السياسة أو الطبيعة أو علم الأحياء أو القضايا الأخلاقية العادية؛ باختصار، في الحياة اليومية التي يكن تجاهها - شأنه شأن عدد من أقرانه الفلاسفة الغالين - كراهية شديدة. إن السمو لا ينبغي أن تفسده المحايثة؛ فهو لا يختزل في الحضور؛ وهو بالتالي غير متجسد، إلا في وجه الآخر الكبير غير القابل للتمثيل. وقد يتيح الآخر الكبير - الذي هو سمو خالص - سبيلا إلى الخلاص؛ لكن المدينة، بأشكال الحياة فيها المجردة المجهولة، ليست مؤهلة لمثل هذه المهمة. قد لا يكون ثمة أي خلاص مؤسسي ولا سياسة تحولية على نحو جذري. فإن تركت السياسة لحالها - كما يقول ليفيناس - فذلك سيعرضنا لخطر الطغيان؛ فثمة مشكلة بعبارة أخرى بخصوص الشخص المجهول لنا، بقدر ما هو الحال عند هيوم وسميث؛ فبعد رحلتنا في النظام الرمزي يبدو أننا نعود لنفس النقطة من جديد، وإن كان ما يقاوم مجهولية النظام الرمزي لم يعد هو النظام الخيالي، بل النظام الواقعي. فكأنما أدار ليفيناس ظهره للنظام الخيالي الذي لا يحتفظ منه إلا بالقشرة الخارجية؛ لكنه بذلك يتجاوز النظام الرمزي ويتجه مباشرة إلى النظام الواقعي. من المؤكد أن ليفيناس قادر على التعامل مع الغريب «القريب»؛ وهو أي عضو في النظام الرمزي يتصادف في اللحظة الراهنة أن يشغل موقع الجار. وتخلط علاقة الفرد بهذا الشخص بين عناصر من النظام الخيالي والنظام الواقعي الأول؛ لأن القضية هنا تتعلق بالتعاطف الجسدي مع شخص قريب مني فعليا. والثاني؛ لأن هذا الجار، وإن تصادف أنه ابنتك أو أختك، فهو قناع مبهم للاتناهي ولا يمكن التعامل معه بصورة سليمة إلا على هذه الخلفية الواضحة. والشيء الأصعب في أخلاق حميمية لهذه الدرجة هو فهم مجال النظام الرمزي في حد ذاته، والذي في خطر أن يحاصر ويطحن بين النظامين الآخرين. لكننا سنرى بعد قليل أن ليفيناس مدرك تماما لهذه الإشكالية، وهي لا تختلف كثيرا عن إشكالية السياسة، وسيسعى لمواجهتها دون أن يفقد سيطرته على نموذجه المتفرد جدا من الفكر الأخلاقي.

وبرغم ما في خطاب ليفيناس الأخلاقي من شهوانية، فهو يتسم بحدة زائدة وغموض مبالغ فيه؛ فأي مسيحي أو يهودي سيصر بلا شك على أنه يمتلك إحساسا مهيبا بسمو الرب، لكنه لنفس هذا السبب لا يدرك كيف أن هذا اللغز الذي لا يوصف لا يقتصر في تجسده على غيرية الآخر الكبير، بل في توفره المعتاد، في رفقته وألفته؛ فالآخر الكبير عند ليفيناس - بلغة بيرك - سام أكثر منه جميل. إن هذه الرؤية الأخلاقية بعيدة كل البعد عن المفهوم المسيحي القائل إن الناس قد دعوا من خلال بشرية المسيح إلى المشاركة في صداقة الرب، وليس مجرد الشعور بوجوده الخارق في الآخر الكبير مثل جرح مؤلم أو الشعور بالذنب عند الاستيقاظ. فالمسئولية الأخلاقية عند ليفيناس ليست في واقع الأمر جزءا من العالم المرئي، وإن كان هذا هو المكان الذي يجب أن تتجلى فيه؛ فهو إذن يواجه شيئا من الصعوبة التي يواجهها كانط في شرح كيفية تحويل روح الأخلاق إلى صورة مادية. فهناك كلية الأشياء المتعينة، وهناك - كما في فكر آلان باديو - دائرة منفصلة تماما من اللاتناهي تتقاطع معها بطريقة عنيفة، لكن من الصعب معرفة كيف يمكن التوفيق بينهما.

كيف إذا نواجه مشكلة المجهولين بالنسبة لنا؛ أي الذين يقعون خارج دائرة النفس والآخر الكبير الغامضة؟ إن كانت هذه قضية حيوية كما هي عند مناصري مذهب الخير؛ فذلك لأنها تثير قضية السياسة، أي كيف للأخلاق أن تؤثر في كل القضايا التي تتجاوز نطاق العلاقات التي بين الأشخاص؟ إن مشكلة ليفيناس هنا هو أنه وضع إطارا للأخلاق بأسلوب دموي غير اجتماعي، بلغة لا تبالي بالمجتمع والتوافق والمساواة والحقوق المدنية والقانون والكلية والتبادلية والسمات الطبيعية وخلافه، لدرجة أنه يجعل من المستحيل تقريبا على نفسه أن يستحضر منها أي أفكار سياسة تتجاوز أبسط أشكال التعددية الليبرالية. إن هذه حقيقة يعترف بها الجميع تقريبا من بين المعلقين على أعماله. فليفيناس - شأنه شأن دريدا - يقر بأن البعد السياسي لا مناص منه؛ لكننا نشعر أحيانا بأنه يفضل زواله. وبصفة عامة، فإن النظام الرمزي يتضح أنه حجر عثرة أمام مزجه الرائع بين النظامين الخيالي والواقعي. وثمة تعارض في كتابات كل من ليفيناس ودريدا بين النبرة الطليعية الجذابة لنظريتهما والشكل المعتاد من التعددية الثقافية الذي يبدو أنه يوجد بهما من الناحية العملية. فليفيناس شأنه شأن ديفيد هيوم يعاني من صعوبات في التعامل مع الغرباء؛ قطعا ليس مع «القريبين» منهم، لكن مع الجموع المجهولة التي يتصادف في أي لحظة ألا تكون كذلك. (تزداد الأمور سوءا عندما تكون هذه الحشود غير أوروبية؛ تأمل نفوره الشديد مما يسميه «الخطر الأصفر» في عمله «التاريخ غير المتوقع»). فإن رأى مناصرو النظام الخيالي أن من الصعب التعامل مع من يتجاوزون دائرتهم السحرية الخاصة، فكذلك يرى مناصرو النظام الواقعي ولكن بصورة مختلفة.

مع ذلك فإن ليفيناس أمامه فرص متعددة للوصول إلى حل؛

9

ففي المواجهة مع الآخر الكبير المتمتع بالأفضلية، يبدو ضمنيا الوجود المحتمل لعدد لا نهائي من الآخرين. من هذا المنطلق فإن ما يسميه ليفيناس بالطرف الثالث يظهر بالفعل في هذا المشهد الأولي، الذي يمكننا أن نسميه لحظة ليفيناس الأوديبية، ممزقا العلاقة بين النفس والآخر. وفي بعض المواضع في كتابات ليفيناس، يبدو أن الطرف الثالث يدخل في مشهد تال للعلاقة المباشرة، وهو وضع يختلف كثيرا عن وضع لاكان. فإن اعتبر لاكان أن الآخر هو الآخر الكبير فذلك لأنه يصر على استحالة وجود علاقة بدون وسيط معه، فلا يوجد اتصال مع الآخر «الفريد» لا يمر بمؤثرات النظام الرمزي في مجملها. إذا فما يسميه ليفيناس ب «الطرف الثالث» موجود في أي مواجهة مباشرة منذ البداية، باعتباره بعدا اغترابيا لهذه العلاقة.

Página desconocida