Paso por la tierra de felicidad y noticias del mundo eterno
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Géneros
ومن شروط المدارس عندنا أيضا ألا يدرس التلميذ أكثر من 4 ساعات في اليوم، وما تبقى من الوقت يصرفه في الرياضة المعتدلة، والنزهة، والموسيقى.
أما البنات فتقتصر دروسهن على العلوم البسيطة، ويعتنى بهن على نوع خاص، بتلقينهن تربية الأطفال وما يتعلق بصحتهم ونموهم وترقية عقولهم، وغير ذلك مما يختص باستحضار الأطعمة على طريقة صحية، ثم الخياطة على أنواعها، وقد قام من طلب من الحكومة تعليم المرأة كل العلوم التي يتعلمها الرجال كالحقوق، والمحاماة، ومسك الدفاتر، والمتاجرة، وغيرها من الأعمال التي لا تليق إلا بالرجل، فبعد البحث والتروي رفض هذا الطلب؛ لأن المرأة لها وظيفة طبيعية لا يمكنها أن تتحمل غيرها، كالحبل والولادة والرضاعة وتربية البنين وسياسة العائلة، وقد تكفيها هذه الأتعاب وحدها، فلا يجب أن نضيف عليها أعمالا خلقت للرجل وحده ولو كانت المرأة تتمكن من عملها.
ولهذا ارتقت حالتنا من كل الوجوه، والفضل في ذلك عائد إلى الحكومة الملكية الدستورية، فقلت الجرائم، وتحسنت الصحة العمومية، وخفت وطأة الأمراض، ونقصت الوفيات كثيرا؛ لأن المثري وغير المثري يعيشان عيشة صحية بسيطة بدون عناء ولا تعب، وقد أصبح أكثر الناس يعرفون أسباب الأمراض فيتجنبونها؛ ولذلك قل عدد الأطباء الرسميين؛ لأن الجميع أصبحوا شبه أطباء، وقل استعمال العقاقير الطبية؛ لأن طرق الوقاية أصبحت معروفة من العموم، فالذي يصاب بمرض يلتجئ إلى الطبيعة، فيتنشق الهواء النقي، ويشرب الماء القراح الطاهر، ويكثر من أكل الفواكه والنباتات المقوية المنعشة، ويمتع نظره بجمال الطبيعة، ويريح عقله وجسده من المتاعب.
وفضلا عن ذلك فقد ارتقت عقولنا وسمت مداركنا إلى حد أن أصبح الإنسان منا يعلم ما في أفكار غيره تقريبا، فكثرت الاختراعات والاكتشافات المفيدة لنوع الإنسان، ومع كل ذلك فالبساطة سائدة في كل أعمالنا، وسلامة النية شاملة عموم الناس من كافة الطبقات.
ومع كل هذا فقد سنت الحكومة قانونا للزواج بغاية الصرامة، فإذا دخل الشاب في سن الثلاثين وهو بصحة تامة ولم يتزوج، يجازى كأنه جان؛ لأن الشاب إذا طالت مدة عزوبته أصبح ضارا بالهيئة الاجتماعية من حيث الآداب العمومية، ومن حيث النظام الطبيعي، فوجوده على هذه الحالة خطر على العفاف؛ ولذلك استعمل الضغط على حريته الشخصية المعتبرة في كل شيء عندنا.
فالحكومة يا بني عندنا كالأم الحنونة، لا تغفل عن كل ما يعود علينا بالنفع، فهي تجمع الأموال منا بالقسط، وتصرفها بكل دقة، وتبين للشعب في آخر كل حول مداخيلها ومصاريفها، فلا يقع حيف على أحد. وقد خففت الضرائب على بعض النباتات والأثمار النافعة؛ لكي يكثر زرعها وترخص أثمانها؛ حتى يسهل على الفقير الانتفاع بها والتلذذ بأكلها، فأصبحنا بعد هذا في هناء وراحة دائمين، وطالت أعمارنا، حتى صار أكثرنا يعمرون فوق المائة عام. كل هذا عائد - كما سبق القول - إلى إخلاص القابضين على زمام الأحكام، وشفقتهم وحسن عنايتهم بالهيئة المحكومة، فالويل للأمة التي حكامها بعيدون عن شرف النفس وعفتها، والشفقة والإنصاف والعلم والمعرفة.
فلما سمعت هذه الأقوال، ونظرت بعيني هذه الدنيا الجميلة، صارت نفسي حزينة حتى الموت؛ لأنني افتكرت بحالة أرضنا، وعلى الخصوص بلادنا وظلم حكامها، الذين هم أعداء الرعية الألداء، لا، بل هم أشبه بالذئاب الكاسرة، يفترسون الخراف الأليفة، ويمتصون دماءها، حتى أصبح الشقاء مخيما على ربوعنا، فالبلاد التي كانت منذ خمس سنوات رازحة تحت سلطة الجهالة والظلم - كالسودان المصري في وسط أفريقيا - أصبحت الآن بفضل الحكام أرقى من بلادنا في كل شيء، فمتى كان الحاكم عادلا محبا للرعية ، لا يقف في طريقه تعصب الأديان، ولا اختلاف المذاهب، ولا تباين المعتقدات، ولا جهل الشعب، فالحاكم العادل يوقف كلا عند حده، فيجري القانون على الجميع.
وفيما أنا أتفكر بهذه الأمور، وأقابل حالتنا بحالة هذه الأرض، تنبهت إلى أن الوقت قد أزف، فنهضت وأخذت يد الشيخ وقبلتها، ثم شكرته كثيرا على مؤانسته، وودعته، وذهبت إلى المكان المعين؛ لأن وقت السفر قد قرب، وبعد أن مشيت مسافة طويلة تنبهت لأمر هام، هو أنني لم أسأل الشيخ عن ديانات هذه الأرض، ولا هو أتى على ذكر شيء منها، فتمنيت لو كان بالإمكان العودة إليه لأسأله عن هذا الأمر. ولكن ما الحيلة، فقد آن الرحيل إلى عالم البقاء، وهناك البكاء وصرير الأسنان. وصلت إلى المكان المعين، ولم أجد حنوش ولا منوش، فقلت: لعلهما استبطآني وذهبا يفتشان علي، أو تركاني وسافرا، فصرت أتمنى أن تصح الأخيرة؛ لكي أعيش في هذه الأرض ثانيا، وأتمتع بجمالها، وأستريح بعدلها وعزها وكمالها.
وفيما أنا أفتكر إذ أقبل علي حنوش وعلى وجهه علائم الغضب والكدر، وفيه تخدش طفيف، وحالته «بالويل»، فقلت له: ما بالك يا حنوش على هذه الحالة، قد أشغلت بالي؟ قال: لا أشغل الله لك بالا، فإن المسألة بيني وبين رفيقي منوش، فهذا النحس بقي غاضبا علي منذ الساعة التي تخاصمنا فيها ونحن في الطريق، ولما وصلنا عاد إلى التحرش بي، فانتهت المسألة بالملاكمة، وقد تركته الآن وهو منهوك القوى من كثرة ما في قلبه من الحقد والكيد، لا يقوى على متابعة السير، فالتزمنا أن نبقى إلى الغد، ففرحت لهذه الصدفة، وشكرت منوش الذي كان السبب لهذا التأخر.
ولكنني عجبت، كيف أنه يوجد في عالم البقاء أناس كمنوش ذوي طباع رديئة، بعد أن يتركوا المادة! وهل يسمح لهم أن يتصرفوا بهذه الطباع الشرسة مع الناس؟ فسألت حنوش عن ذلك، فأجاب: إن طباع السوء لا تتغير، فالذي كان سيئا في العالم يبقى سيئا هنا، والنفوس الساقطة ساقطة في كل مكان، والنفوس الشريفة شريفة في عالم المادة وفي عالم الأرواح ، فنفس بونابرت، ونفس لاون الثالث عشر، ونفس بستور مكتشف أسباب الأمراض في العالم، وغيرهم من أقرانهم، تلك النفوس المدركة السامية هل تظن يعتريها تغير في عالم البقاء؟ إنها ممتازة على ما سواها من النفوس، كبيرة وعظيمة كما كانت على الأرض مع المادة، فصغير النفس وقليل المعرفة، والخامل والذي لا تشعر نفسه بلذة الوجود، ولا تتفلسف في موجودات العالم، ولا تتلذذ بمناظر نباته وجباله وبحاره وحيواناته، ولا تسبح الخالق المبدع؛ تبقى كذلك في دنيا البقاء. فالنفوس الكبيرة الشاعرة التي كانت تتحد مع السماويات هي وحدها التي تتلذذ بعالم الخلود، ومن حالة رفيقي حنوش التعيسة تتحقق ذلك، فإنه كان على الأرض لصا شرسا، لا يعرف من الدنيا إلا إملاء بطنه، ولا يهتم لغيره، ولا يتوجع لمصائب الناس، ولا يشفق على مظلوم، ولا يرحم مستجيرا، ولا يعزي حزينا، أما سمعت القول الحقيقي: «كما في السماء كذلك على الأرض.» فقلت له: إن ما قلته حق يا صاحبي حنوش. ثم استأذنته بالعودة إلى المدينة مرة ثانية؛ لأن ميعاد السفر قد تأجل للغد، وذهبت إلى المحل الذي التقيت فيه بالشيخ لأسأله عن ديانات هذه الأرض، وكيفية سير الناس من هذا القبيل.
Página desconocida