Prados de oro y minas de gemas
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ثم ملك بعد أزور و خلنجاس ويقال: إنهما كانا أخوين؛ فأحسنا السيرة، وتعاضدا على الملك، ويقال: إن أحد هذين الملكين كان جالسا ذات يوم إذ نظر في أعلى قصره إلى طائر قد أفرخ هناك، وإذا هو يضرب بجناحيه ويصيح، فتأمل الملك ذلك فنظر إلى حية تنساب إلى الوكر صاعدة لأكل فراخ الطائر، فدعا الملك بقوس فرمى به الحية فصرعها، وسلمت فراخ الطائر، فجاء الطائر بعد هنيهة يصفق بجناحيه وفي منقاره حبة وفي مخاليبه حبتان، وجاء إلى الملك وألقى ما كان في منقاره ومخاليبه، والملك يرمقه، فوقع الحب بين يدي الملك فتأمله، وقال: لأمر ما ألقى هذا الطائر ما ألقى، لا شك أنه أراد مكافأتنا على فعلنا به، فأخذ لحب وجعل يتأمله فلم يعرف مثله في إقليمه، فقال جليس من جلسائه حكيم وقد نظر إلى حيرة الملك في الحب: أيها الملك، ينبغي أن يودع لنبات أرحام الأرض فإنها تخرج كنه ما فيه، فنقف على الغاية منه، إداء ما في مخزونه ومكنونه، فدعا بالأكرة وأمرهم بزرع الحب ومراعاته، وما يكون منه، فزرع، فنبت وأقبل يلتف بالشجر ثم حصرم وأعنب، وهم يرمقونه، والملك يراعيه، إلى أن انتهى في البلوغ وهم لا يقدمون على ذوقه خوفا أن يكون متلفا، فأمر الملك بعصر مائه، وأن يودع في أواني، وإفراد حب منه وتركه على حالته، فلما صار في الآنية عصيرا هدر وقذف بالزبد وفاحت له روائح عبقة، فقال الملك: علي بشيخ كبير فان فأتي به، فلدد له من ذلك في إناء فرآه لونا عجيبا، ومنظرا كاملا، ولونا ياقوتيا أحمر، وشعاعا نيرا، ثم سقوا الشيخ فما شرب ثلاثا حتى مال، وأرخى من مآزره الفضول وصفق بيديه وحرك رأسه، ووقع برجليه على الأرض، فطرب، ورفع عقيرته يتغنى، فقال الملك: هذا شراب يذهب بالعقل، وأخاف أن يكون قاتلا، ألا ترى إلى الشيخ كيفما عاد في حال الصبا وسلطان الدم وقوة الشباب. ثم أمر الملك به فزيد، فسكر الشيخ، فنام ، فقال الملك: هلك، ثم إن الشيخ أفاق وطلب الزيادة من الشراب، وقال: لقد شربته فكشف عني الغموم، وأزال عن ساحتي الأحزان والهموم، وما أراد الطائر إلا مكافأتكم بهذا الشراب الشريف، فقال الملك؟ هذا أشرف شراب أهل الأرض، وذلك أنه رأى شيخا قد حسن لونه، وقوي حيله، وانبسط في نفسه، وطرب في حال طبيعة الحزن وسلطان البلغم، وجاد هضمه، وجاءه النوم، وصفا لونه، واعترته أريحية، فأمر الملك أن يكثر من غرس الكرم، فكثر الغرس للكرم، وأمر أن يمنع العامة من ذلك، وقال:هذا شراب الملوك، وأنا السبب فيه، فلا يشرب غيري، فاستعمله الملك بقية أيامه، ثم نما في أيدي الناس واستعملوه، وقد قيل: إن نوحا أول من زرعها، وقد ذكرنا الخبر حين سرقها إبليس منه حين خرج من السفينة واستولى على الجودي في كتاب المبدأ وغيره من الكتب.
ذكر ملوك الموصل ونينوى وهم الأثوريون ولمع من أخبارهم وسيرهم
مدينة نينوى
نينوى: هي مقابلة الموصل، وبينهما دجلة، وهي بين قردى وما زندى من كور الموصل، ونينوى في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة مدينة خراب فيها قرى ومزارع لأهلها، وإلى أهلها أرسل الله يونس بن متى، وآثار الصور فيها بينة واضحة وأصنام من حجارة مكتوبة على وجوهها، وظاهر المدينة تل عليه مسجد، وهناك عين تعرف بعين يونس النبي عليه الصلاة والسلام، ويأوي إلى هذا المسجد النساك والعباد والزهاد.
بسوس وسميرم والأرسيس
وكان أول ملك بنى هذه المدينة، وسور سورها: ملك عظيم قد دانت له الملوك ودانت له البلاد، ويقال له بسوس بن بالوس، فكانت مدة ملكه اثنتين وخمسين سنة.
Página 92