بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد، ومستوجب الثناء والمجد، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، وسلم تسليما إلى يوم الدين.
باب ذكر جوامع أغراض هذا الكتاب
أما بعد، فإنا صنفنا كتابنا في أخبار الزمان، وقذمنا القول فيه في هيئة الأرض، ومدنها، وعجائبها، وبحارها، وأغوارها، وجبالها، وأنهارها، وبد ائع معادنها، وأصناف مناهلها، وأخبار غياضها، وجزائر البحار، والبحيرات الصغار، وأخبار الأبنية المعظمة، والمساكن المشرفة، وذكر شأن المبدأ، وأصل النسل، وتباين الأوطان، وما كان نهرا فصار بحرا، وما كان بحرا فصار برا، وما كان برا فصار بحرا، على مرور الأيام، ومرور الدهور، وعلة ذلك، وسببه الفلكي والطبيعي، وانقسام الأقاليم بخواص الكواكب، ومعاطف الأوتاد، ومقادير النواحي والافاق، وتباين الناس في التاريخ القديم، واختلافهم في بدئه وأوليته، من الهند.
وأصناف الملحدين، وما ورد في ذلك عن الشرعيين، وما نطقت به الكتب وورد على الديانيين. ثم أتبعنا ذلك بأخبار الملوك الغابرة، والأمم الداثرة، والقرون الخالية، والظوائف البائحة على مر سيرهم، في تغير أوقاتهم وتضيف أعصارهم، من الملوك والفراعنة العادية والأكاسرة واليونانية، وما ظهر من حكمهم ومقائل فلاسفتهم وأخبار ملوكهم، وأخبار العناصر، إلى ما في تضاعيف ذلك من أخبار الأنبياء والرسل والأتقياء، إلى أن أفضى الله بكرامته وشرف برسالته محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم، فذكرنا مولده، ومنشأه، وبعثه، وهجرته، ومغازيه، وسراياه، إلى أوان وفاته، واتصال الخلافة، واتساق المملكة بزمن زمن، ومقاتل من ظهر من الطالبيين، إلى الوقت الذي شرعنا فيه في تصنيف كتابنا هذا من خلافة المتقي لله أمير المؤمنين، وهي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
للمؤلف كتابان اختصرهما في هذا الكتاب
ثم أتبعناه بكتابنا الأوسط في الأخبار على التاريخ وما اندرج في السنين الماضية، من لدن البدء إلى الوقت الذي عنده انتهى كتابنا الأعظم وما تلاه من الكتاب الأوسط. ورأينا إيجاز ما بسطناه واختصار ما وسطناه، في كتاب لطيف نودعه لمع ما في ذينك الكتابين مما ضمناهما، وغير ذلك من أنواع العلوم، وأخبار الأمم الماضية، والأعصار الخالية، مما لم يتقدم ذكره فيهما.
على أنا نعتنر من تقصير إن كان، ونتنصل من إغفال إن عرض لم! قد شاب خواطرنا، وغمر قلوبنا، من تقاذف الأسفار، وقطع القفار، تارة على متن البحر، وتارة على ظهر البر، مستعملين بدائع الأمم بالمشاهدة، عارفين خواص الأقاليم بالمعاينة، كقطعنا بلاد السند والزنج والصنف والصين والزابج، وتقحمنا الشرق والغرب، فتارة بأقصى خراسان، وتارة بوسائط إرمينية وأذربيجان والران والبيلقان، وطورا بالعراق، وطورا بالشام؟ فسيري في الآفاق، سرى الشمس في الإشراق؟ كما قال بعضهم:
تيمم أقطار البلادة فتارةلدى شرقها الأقصى وطورا إلى الغرب
سرى الشمس، لا ينفك تقذفه النوى ... إلى افق ناء يقصر بالركب
Página 1