قال جيمي: «يسعدني ذلك.» وتابع: «يسعدني أن أخدمك وأساعدك على استعادة عافيتك على النهج نفسه الذي وضعته لنفسي.»
وهنا راح يشرح لسيد النحل النهج الذي وضعه لنفسه، فهتف الصوت العجوز الرقيق مرة أخرى قائلا: «حسنا! إنه نهج ممتاز، أستطيع رؤية أنك في تحسن. في كل زيارة تأتي خلالها لتبهج الرجل العجوز قليلا، أستطيع رؤية أن بشرتك تكتسب لونا أكثر صحة، وأن الشعاع الأزرق للألم والإحباط يتلاشى من عينيك. إنك حتى تتحدث بصوت أقوى، بثقة رجل امتلك زمام روحه. إنني واثق أنك ستجد سبيلك إلى الصحة والسعادة في الحديقة التي تكاد تكون هي الأقرب في منحي السلوى من بين جميع الأشياء التي جربتها على الإطلاق.»
ظل سيد النحل راقدا بلا حراك وتمهل وقتا طويلا. ثم قال لجيمي: «قد يبدو لك أن الثقة التي طلبتها منك لا بد أن تقابل بثقة تساويها، لكنني أجد أن ضعفي قد جعل مني جبانا. إذا أردت ذات يوم من الأيام أن تعرف أي شيء يخصني، فلتسأل مساعدي الصغير. كنت أمر بساعة حالكة السواد حين تدلى قائد الكشافة الصغير من فوق سياجي الجانبي ليدخل قلبي وحياتي بثقة شديدة لدرجة أنني حين حانت هذه الساعة المؤلمة، وقبل أن أدرك ما فعلته ألقيت عبئي بأكمله على عاتقي طفل، فقط لأتعلم أنه مهما بلغ تفكير الطفل من جدية، ومهما كانت مشاعر الطفل عميقة، لا يبدو أن لديه قدرة كبيرة على حمل الأعباء. إذ إن الأطفال مشغولون للغاية بالنمو، وبتسلية أنفسهم، واكتشاف العالم الرائع من حولهم، والانسياق وراء دوافعهم للاستكشاف والشجار، حتى إنه ليس من الوارد كثيرا أن تثقل كواهلهم الصغيرة بالمسئولية تجاه أي شخص آخر إلا إذا أخذتهم مصادفة من رفاقهم، ومن لهوهم، وأثقلتهم بأعباء مزعجة لمسئوليات ثقيلة غير طبيعية، وهذا غالبا ما يولد التمرد في قلوبهم الصغيرة. إن الكشافة الصغير يعرف لماذا تركت دياري ودائرة كبيرة من الأصدقاء وجئت هنا وحدي، واستصلحت فدانين من الأرض الصخرية وبدأت بعدد قليل من القفائر إلى أن أصبحا فدانين من البهاء وبنيت وسطهما قفائر لملايين السكان الصغار المحتشدين في الحديقة. يعلم الكشافة الصغير بمشكلاتي، لكن يعلم الله أنني لست بقادر على حكي تلك القصة مرة أخرى! إذا جاء اليوم وشعرت أنك بحاجة إلى أن تعرفها، فأخبر الكشافة الصغير أنني سمحت بأن تحكى لك، وسوف تسمع رواية دقيقة عما جاء بي هنا، وعن الألم المضني الذي تحملته، والراحة التي وجدتها في بهاء أشعة الشمس وغناء البحر، وفي علاج الزنابق وعزاء الورود، وفي عمل شاق مع أكثر فروع تطور الحياة إثارة للاهتمام في العالم بأسره. لقد تعمقت بعض الشيء في دراسته. وأؤكد لك أنك لن تجد في تطور أي كائن حي من كائنات العالم أجمع عمليات حيوية أكثر تعقيدا وأكثر إثارة للاهتمام لحد الشغف، ولا أقرب للبشر من تطور النحل. أرجو أنك تحصل على فائدة جيدة من قراءة كتب النحل.»
قال جيمي: «أجل، إلى درجة الاستغناء عن أي شيء آخر. لقد نصحني الكشافة الصغير بأن أبدأ بالكتب التي تحتوي على «نكات عن النحل» على حد قوله حرفيا. وقد كانت النكات مسلية للغاية حتى إنني انهمكت فيها. لكن حيث إنني أريد أن أؤدي عملي بأمانة مقابل الأتعاب التي تقاضيتها، فقد أدركت أنني لا بد أن أعمل بفطنة. لذلك سرعان ما وضعت النكات جانبا وعدت إلى الواقع. وقد تطورت معرفتي لدرجة أنني أصبحت قادرا على التعرف على الملكة، والتفرقة بين الملكة الإيطالية والملكة الألمانية، وأستطيع أيضا التفرقة بين الممرضة والذكر وبين الذكر والعاملة. فعن طريق دراسة قفير المراقبة لساعات طويلة أصبحت محيطا تماما بما يجب أن يجري بداخل كل واحدة من القفائر في تلك الصفوف الطويلة. كان في نيتي أن أدرس تقليم الأشجار، كما أخبرتك، لكن أعتقد أنه ما دام لدي تلك الفرص لأن أصبح معافى، وما دمت ليس لدي أقارب، فمن الأفضل أن أبقى في الهواء وأشعة الشمس نفسهما اللذين على ما يبدو يعملان عمل السحر الذي أحتاج إليه لأصبح رجلا مكتمل الصحة .»
وافقه سيد النحل ببطء.
وهو يقول: «أجل، أعتقد أنك على حق. أعتقد أنك على حق. وأعتقد أنك حتى قد تجد قدرا أكبر من إثارة الحماس في العمليات الحيوية المعقدة والدقيقة لدى النحل عن العمل مع الأشجار عديمة الحس التي تنمو لأنها مجبولة على ذلك، فمهما كانت مثيرة للاهتمام، ومهما كانت بديعة، تظل حقيقة أنها لا تستطيع أن تأتي عمليات حيوية تقارب كثيرا التفكير والاستنتاج مثل النحل.»
قال جيمي: «لقد قررت تماما أن أدرس باجتهاد. وأنا أتقدم بحرص، فإن أعطيتني الفرصة سأجعل عملي بين النحل.»
قال سيد النحل: «ومن ناحية الموقع. ما رأيك في موقعي؟»
ابتسم جيمي. «لدي معرفة بساحل المحيط الأطلنطي وبعض الدول الخارجية. لقد رأيت سواحل إنجلترا وفرنسا وتجولت في أنحاء هذه القارة. تقتصر كل معرفتي بالمحيط الهادئ على الخليج الواقع أسفل منزلك، لكنني متأكد تماما من أنه لا يوجد في هذا العالم كله ما هو أجمل من حديقتك ذات الزرقة الصافية. هل تتذكر أن الصينيين القدماء كانوا يسمون الأزرق (اللون المثالي)؟»
هز سيد النحل رأسه مؤيدا.
Página desconocida