قال الكشافة الصغير: «لم يتبق الكثير لتعرفه. ثمة المزيد من الأرقام لأخبرك بها، كيف أن الذكور لديهم أعداد كبيرة من العيون وتجاويف الشم تفوق ما لدى العاملات. فلدى الذكور سبعة وثلاثون ألف تجويف للشم؛ للتأكد تماما من العثور على الملكة، وهذا أيضا من صنع الخالق. ولدى الذكور ثلاثة عشر ألف عين في كل جانب من رأسهم. ليستطيعوا الرؤية أفضل من أي كائن آخر والتأكد من العثور على الملكة؛ لأنهم لا بد أن يعثروا على الملكة، ولا بد أن يتزوجوها، ولا بد أن تضع الملكة البيض ليظل هناك نحل في العالم، ليصنع العسل الشهي الحلو للكل، وليحافظ على حياة مئات آلاف الزهور.
بعد أن ينقل سيد النحل الملكة القديمة وأسرتها في قفير جديد، ينصبه في مكان لطيف. ويعود النحل الكشاف إلى المكان الذي ترك فيه الملكة ويظل يبحث حتى يعثر على القفير الجديد. ويعرف عائلته ويدخل، ثم يشرع الكل في العمل. تبني العاملات الخلايا، وتضع الملكة القديمة البيض بكل أنواعه وتخبر العاملات بما تريد أن يخرج من كل بيضة. ويمضون قدما في الحال تماما كما فعلوا في القفير الذي جاءوا منه. فتنظف العاملات كل شيء وتملأ الملكة القديمة الخلايا مرة أخرى بالبيض الذي تريد أن يصبح ملكات وذكورا وعاملات وممرضات، وربما نحلا كشافا، ويستمرون في صنع المزيد من العسل ويفرخون المزيد من النحل، حتى يمتلئ القفير للغاية فتقول الملكة إن عليهم تنشئة ملكة صغيرة وتسليمها القفير بينما يخرجون هم وينشئون عائلة أخرى.
تظل الملكة تصدر الأوامر طوال الوقت بشأن ما تريد إنجازه. وقد تظل تحكم طوال خمس سنوات أو ست. وهي تضع البيض طوال الوقت. لن تصدق عدد ما تضعه من بيض، قد يصل العدد إلى مليوني بيضة. ولديها سبعة أو ثمانية آلاف عين فقط لأنها سيدة منزل. والإخلاص لعملها هو مهمتها الأولى والأخيرة ، بل مهمتها الوحيدة. إلا أنها ليس لديها جيوب للشمع ولا فرش ولا سلال لحبوب اللقاح. ولا تحب الضوء، ولا تعرف مذاق رحيق زنابق مادونا؛ لأن كل طعامها يأتي مهضوما من أجلها من قبل أن تأكله. إن استطعت فعل ذلك مع «السجق» فلن تظن أنها فكرة سيئة للغاية، أليس كذلك؟»
ضحك جيمي.
وقال: «فلتكمل.» «حسنا، تظل الملكة تضع البيض طوال اليوم، وربما طوال الليل على حد علمي. إنها تضعه على أي حال. عجبا لأمرها! وفي كل مرة تضع بيضة تحدد مصيرها، فتقبل ممرضاتها على العمل في الحال لتطعم اليرقات البيضاء غذاء ملكات النحل، أما خبز النحل فهو للحصول على المزيد من الذكور، وللحصول على العاملات والممرضات، وربما النحل الكشاف، كما قلت من قبل. وبعض العاملات يصبحن معماريات وبعضهن يصبحن بناءات والبعض الآخر يصبحن راقصات. ووظيفة الراقصات، حين يشتد الحر داخل القفير، هي أن يرقصن ويرفرفن بأجنحتهن حتى يتحرك الهواء ويبرد الخلايا. وأحيانا يرقصن رقصة في غاية الغرابة لليرقات البيضاء.
ذلك جزء مما أعرفه عن النحل. لم أستطع إخبارك بكل ما أعرفه عنه لأنني لا أستطيع استحضاره كله مرة واحدة. فالموضوع أكبر من أن أخبرك به في الحال. لكن بإمكانك مشاهدته في قفير المراقبة وتستطيع أن ترى سريعا أي الخلايا بها اليرقات البيضاء الكبيرة الناعمة، وأيها بها الذكور الضخمة الممتلئة، وأيها بها العاملات والممرضات الصغيرة، وربما النحل الكشاف. وبعد ما أخبرتك به، تستطيع أن ترى الذكور العجزة وهي تزحف في أنحاء الخلايا تأكل من العسل كيفما بدا لها، وفي حال من القذارة والفوضى حسبما يحلو لها. ثم يمكنك أن ترى العاملات يذهبن وينظفن ما تركوه. وتستطيع أن ترى الخلايا التي يلقى البيض فيها الرعاية. وتستطيع أن ترى الخلايا التي تملأ بالعسل. وتستطيع أن ترى الخلايا التي تحتوي على حبوب لقاح ذهبية وحمراء وأرجوانية في الشمع. حين آتي المرة القادمة سأسألك عن الأرقام التي أخبرتك بها، كما سألني سيد النحل. عليك أن تكون مستعدا ولا ترتكب أخطاء، فما دمت أنا أستطيع تذكرها، فيجدر برجل مثلك أن يتذكرها!»
نهض الكشافة الصغير واقفا، وشد لأسفل ذيل قميصه الأخضر الذي بدا معتادا على الخروج، وأحكم إبزيم الحزام عند خصره، وسحب نفسا عميقا. «ليس لدي معلومات وثيقة كما أخبرتك. بإمكانك أن تجد في المكتبة بالداخل كتبا كالتي أطلعتك عليها توضح كيف كان الناس يفكرون. كتب تحوي لغوا. وستجد كتبا مثل كتب لوبوك وزفامردام، بها صور رائعة، ستخبرك بما يحدث حقا. وهناك كتب مثل كتب فابريه وماترلينك التي يقول سيد النحل إنها تضم ثلاثة أشياء في آن واحد. أولا أنها تقدم الحقيقة، وثانيا أنها شعر، وثالثا أنها دليل على وجود عقل مدبر يخطط حتى أصغر الأشياء وأقلها حجما. وهو يقول إن الاسم الوحيد لذلك العقل المدبر هو الله. إذ لا يرى أي جدوى من محاولة تنحية الله وتجنبه وتسميته «روح القفير» والفطرة والطبيعة وأشياء من هذا القبيل. ويقول إن ثمة عالما عظيما، واحدا من أفضل العلماء، لكنه كاد أن يفقد صوابه وهو يحاول أن يفعل ذلك الشيء. كان يدعى تشارلز داروين، ويقول سيد النحل إن سي دي كان سيصبح شخصا أفضل كثيرا لو كان لديه استعداد لأن يقر بقدرة الله. فهو يقول إن الله حين يفعل أي شيء «يوليه بالغ اهتمامه، ويفكر فيه مليا، ويخلع عليه عدالة شاملة» كما يحدث في قفير النحل، حتى إن الرجل الحكيم ليخلع قبعته ويرفع عينيه إلى السماء ويقول بكل تهذيب: «ما أعظم الخالق».»
وفي تغيير سريع كالبرق، ركل الكشافة الصغير حصاة على موقع مرتفع بدقة متناهية لتبتعد عدة ياردات، وهوى على المقعد بجوار جيمي، وسأله بتراخ، بلا اهتمام: «ما رأيك؟»
واقعا تحت تأثير سحر القصة التي سمعها، مرر جيمي أصابعه في شعره. ثم حاوط ركبته بكفه اليمنى، وأحاط بذراعه اليسرى الكشافة الصغير وضم إليه الصغير بشدة. ونزل بشفتيه إلى الشعر الأشقر، وتغلغل في أجزائه الخارجية الباهتة، وبلغ الخصلات الداكنة تحتها، حتى اقترب بشفتيه من الأذن الصغيرة فهمس بتبجيل بالغ قائلا: «رأيي هو، ما أعظم الخالق!»
الفصل الحادي عشر
Página desconocida