سألت سيد النحل ذات مرة كيف أتأكد أن الله موجود ما دمت لا أستطيع أن أراه وما دمت لا أستطيع أن ألمسه. فقال: «بسبب الشعر الذي لدى النحل!» هذه إحدى الطرق التي يمكن بها أن تتأكد.
هناك أيضا سبل عدة لمعرفة الله من خلال تأمل الطريقة التي خلق بها ملكات النحل. إن خلية النحل لمليئة بالمعجزات والعلامات والرموز والعجائب. قال سيد النحل ذلك. لكن قد تكون كبرى عجائب الخلية هي الملكة تحديدا. فإنك تجد الكثير من الأدلة على وجود الله عبر تأمل ملكة النحل. قد تعيش النحلة العاملة خمسة أسابيع أو ستة فقط، أما الملكة فقد تعيش خمس سنوات أو ستا. وهي أكبر حجما بكثير من النحلة العاملة وتبدو مختلفة. فهي طويلة ورفيعة ولديها أجنحة أكبر، ولديها بطن كبير لأنها قد تضع من البيض مليونا أو مليونين . ولا تملك سوى نصف عدد العيون الذي لدى النحلة العاملة؛ لأنها لا تحتاج إليها إلا حين تخرج لتبحث عن حبيبها، أو ربما بضع مرات أخرى حين يصبح لديها قفير كبير مليء بمائة وعشرين رطلا من العسل والعديد من النحل يزاحم بعضهم البعض. ومن ثم حين يصبح كل شيء جاهزا تطلب من جزء منهم أن يأتي معها لتعثر على قفير جديد، وتترك الآخرين ليعيدوا ملء القفير القديم بعد أن يأخذ سيد النحل نصيبه من العسل.
وتصبح الملكة ملكة على النحو التالي: في خلية صغيرة مجهزة بالكامل من أجلها تضع ملكة نحل القفير بيضة، وتقول للعاملات: «أريد أن تصبح هذه البيضة ملكة.» فتنهمك العاملات في العمل وتصنع غذاء ملكات النحل. وذلك شيء آخر لم يكتشفه الناس الذين ألفوا كتب النحل. إنهم لا يعرفون مطلقا ما هو غذاء ملكات النحل أو كيف يصنع. لكن العاملات يعرفن. فقد علمهن الله الطريقة حين خلقهن. هكذا يصنعن غذاء الملكات ويغذين به من يخرج من البيضة التي قالت الملكة إنها ستصبح ملكة أخرى. فتنمو وتصبح يرقة بيضاء، وحين تتمكن اليرقة البيضاء من الطيران تصبح ملكة صغيرة. ويطعمن بغذاء مختلف ما يخرج من كل بيضة في كل خلية مختلفة، وتقرر الملكة ما الذي يخرج من كل خلية. وخوفا من أن يصيب الملكة مكروه، لأنه لا يمكن لأي خلية العيش من دون ملكة، تضع هي الكثير جدا من البيض الذي تريد أن يخرج منه ملكات، ثم تضع عددا كبيرا ليخرج ذكورا والبعض ليخرج ممرضات والآلاف ليخرج العاملات. تذكر هذا: يصنع النحل أربعة أنواع مختلفة من الخلايا.
حين تجد الملكة قفيرها مليئا بالعسل والعدد الكافي من اليرقات البيضاء بما يضمن أن يظل هناك دائما ملكة في القفير، والكثير من خبز النحل لإطعام اليرقات وسائر النحل الآخر الحبيس في مهده، يحدث شيء لا يفهمه أي أحد. عندئذ تحديدا تأخذ الملكة وصيفاتها ومهندسيها وبنائيها الذين يصنعون أقراص العسل، والعاملين الذين يحضرون حبوب اللقاح والرحيق، وتأخذ بعض الذكور وتأخذ بعض الممرضات، وتمضي في الحال وتترك كل الأعمال التي أنجزوها كلهم بعناية شديدة. الشيء الذي لا يعرفه أي أحد هو من الذي يأخذ هذا القرار، أو كيف يقرر، من الذي سيبقى في القفير ومن سيذهب. لكن يبدو أن ثلثيهما يذهب مع الملكة القديمة.
قبل أن تهم الملكة القديمة بمغادرة القفير مع السرب الذي سيرافقها، يذهبون جميعا ما عدا الملكة إلى أحواض العسل ويأخذون من العسل ما يكفيهم خمسة أيام أو ستة، بحيث لا يتضورون جوعا أثناء البحث عن سكن جديد، وبحيث يبقى معهم الشمع الذي يستطيعون استخلاصه من العسل ليضعوا أساس الخلايا ليبدءوا العمل في سكنهم الجديد.
ثم تخرج الملكة من القفير ويذهب كذلك كل النحل الذي يفترض أن يذهب معها. وتطير بعيدا بعض الشيء وتحط على فرع شجرة برتقال، أو ربما تين، أو جاكرندا، لتحيط بها وصيفاتها وكل سربها الذين يتولون رعايتها. فهم يخفونها بينهم بحيث لا يلتهمها طائر، أو إحدى الفراشات الصقرية، أو أي شيء آخر، بينما يذهب النحل الكشاف للبحث عن سكن جديد. وحين يذهب النحل الكشاف للبحث عن سكن جديد يختارون مكانا في الصخور أعلى الوادي، أو غصن كبير ميت في شجرة بلوط حي أو جميز. لكن إذا كان مربي النحل مربي نحل بحق، فإنه يعلم قبل عدة أيام من اشتداد نشاط القفير ومن الأشياء التي يسمع النحل وهم يخبر بها بعضهم البعض، أنهم سيتركون مسكنهم للبحث عن مسكن جديد. وإذا كان يريد أن يحافظ على نحله ويجعل حديقته تزداد حجما أكثر فأكثر، فإنه يحتفظ ببعض القفائر القائمة في الخلف، جاهزة تماما، ويظل يراقب الوضع، وحين تخرج الملكة من بابها وتبدأ الطيران يأتي بطبلة النحل، ويظل يقرعها، قرعا بطيئا وهينا وخفيضا؛ دوم، دوم، دوم. فيتساءل النحل ما هذا الصوت الغريب. وينسى ما الذي كان مقدما عليه، ويستقر على أقرب غصن ويغطي الملكة كما أخبرتك، وسريعا يذهب مربي النحل ويأتي بمبخرته ويطلق عليهم القليل من الدخان ليبقوا هادئين ووادعين. فإذا كان يحب نحله فإنه لن يطلق عليه الكثير من الدخان؛ لأن النحل يكره الدخان أكثر من أي شيء في العالم بأسره.
وفي الحال يقطع الفرع أو يضع القفير تحته، وبيده ينتزع النحل ويقذفه في الداخل. وعليه دائما أن يتأكد من أن الملكة لديه وأنها بخير. وبعد ذلك يأخذ القفير وينصبه على منصة جديدة ويضعه في حديقة النحل الخاصة به. وإذا أراد فبإمكانه أن يضعه بجانب القفير الذي جاء منه النحل بالضبط، لكنه لن يعود أبدا إلى القفير الذي كان يعيش فيه من قبل. سيبقى دائما مع الملكة، ويعيش في القفير الجديد ويعمل فيه. وتظل الملكة طيلة حياتها دون أن تخرج مرة أخرى أبدا إلا إذا أرادت أن تبحث عن قفير آخر. وعندئذ تفعل نفس ما فعلته هذه المرة بالضبط. وهكذا يحصل مربي النحل على قفائر جديدة للنحل.
أما هناك في القفير القديم الذي تركوه فيصبح النحل حزينا بعض الشيء؛ لأن مربي النحل جاء هو الآخر وأخذ نصيبه من العسل، ولأن ملكتهم الجميلة رحلت، ولأن الأقراص الذهبية التي تكاد تملأ القفير صارت خاوية ما عدا ما تركه مربي النحل، فيظل كل منهم واقفا مكانه شاعرا بالكآبة منتظرا. ولا تخرج العاملات بحثا عن رحيق كالذي أحصل عليه من زنابق مادونا، ولا عن حبوب اللقاح. بل إنها لا تنظف حتى مخلفات الذكور الكسولة القديمة. إنها أشد الأوقات التي تلم بالقفير كآبة على الإطلاق. هكذا يذهبون كلهم ويتجمعون حول الخلايا التي وضعت فيها الملكة البيض لينشأ المزيد من الملكات. وتعرف الملكة القديمة وهي تغادر أنه سريعا جدا ما ستخرج ملكة جديدة من هذه الخلايا. وهكذا في الوقت الذي يشعر فيه كل من داخل القفير بيأس شديد، ترفع إحدى اليرقات البيضاء رأسها وتأكل غطاء خليتها لفتحها وتسير خارجها. فتهرع الممرضات إليها ويساعدن في تنظيفها وفي تمشيط شعرها وتهذيب أجنحتها. ويقبلنها لسعادتهن البالغة برؤيتها.
ومن الأشياء الأخرى التي قدرها الله في قفير النحل هو أنه لا يجعل ملكة صغيرة واحدة فقط تأتي للحياة؛ لأنها بعد أن تصبح جاهزة وعلى أتم الاستعداد تخرج إلى العالم الكبير الهائل لتبحث عن ملكها، فإذا التهمها طائر الوروار أو ملك العصافير، سيصبح القفير عندئذ في مشكلة أسوأ من التي كان فيها من قبل. من ثم قد يتأتى في اليوم نفسه أو اليوم التالي أو بعد يومين أن تخرج يرقة بيضاء برأسها وتأكل خليتها حتى تخرج منها سيرا. لكن لا أحد يذهب ليساعدها ولا يساعدها أحد كثيرا؛ لأنهم كلهم يعقدون أملهم على أول واحدة خرجت.
حين ترى الملكة التي خرجت أولا أن ثمة ملكة أخرى غادرت خليتها، يستبد بها الغضب. وهنا تبدأ مشاجرة. وهما تتعاركان تماما كما أتعارك مع الطفل المطيع وذي الوجه الملائكي حين أستقرئ في عينيهما أنهما قد يفكران في التخطيط للتمرد علي. ولا أتوقف إلا حين أوسعهما ضربا. ولا تتوقف الملكة الصغيرة إلا حين تردي الملكة الأخرى جثة هامدة، وتخرج بها العاملات إلى مدفن النحل.
Página desconocida