قالت المرأة، التي كان صدرها ما زال يعلو ويهبط، وكتفاها ما زالتا ترتجفان: «لا أستطيع إخبارك. لا أستطيع أن أخبر غريبا في الظلام، وسط العاصفة، بذلك الذي يؤلمني!»
قال جيمي مهونا الأمر: «بل تستطيعين.» وأضاف: «الآن أفضل من أي وقت آخر. إن كان شيئا لا تفخرين به، فسوف يكون في الظلام ستارا لك. وإن كان شيئا تخافينه، فيمكنك الاعتماد على قوى ساعدي الأيمن. وإن كان أي شيء أستطيع كرجل أن أفعله لك، فأريدك أن تعلمي أنك لي بمثابة أم أو شقيقة، أو أي قرابة ترين أن الرجل الذي يحاول التصرف بالقدر المعقول من اللياقة لن يخل بها. سوف أعدك وعد شرف ألا أتبعك، ولن أبذل أي مجهود في معرفة من أنت أو من أين أتيت. إن كنت جئت هنا الليلة بنية إلقاء نفسك من هذه الصخور إلى التيار المبتلع، فثقي تماما أنني جئت بالنية نفسها. أقر بأنه خطر لي. فلدي في صدري عاصفتي الخاصة بي. لدي جروح ما زالت مفتوحة وتنزف. ليس بي ما يجعلك بحاجة إلى التردد. إنما أقول لك إن صوتك فتي، ووجهك يافع، وجسدك قوي، ومن الممكن بطريقة ما تدبر علاج للقلوب الشابة المنفطرة، وإنني أعتقد بحق أن المشكلة عند البوح بها تخف وطأتها. فلتخبريني.»
كاد جيمي أن يشعر بالإمعان في التفكير الذي جرى في ذهن المرأة التي كان يحاول حمايتها ومساعدتها.
قال الصوت العميق أخيرا: «إنها قصة طويلة، وإنها قصة تشتمل على ما يدعوه الناس خزيا. وإن الناس محقون إذ دعوه خزيا؛ لأنني أشعر بالخزي. فأنا لا أستطيع أن أجلس هنا في وضح النهار وأتركك لتسترني، وتنظر إلي، وأحكي لك. لا يمكنني أن أحكي لك إلا في عتمة واضطراب مثل ذلك، والمؤكد أنك لن تستطيع أن تقدم أي عون، لكن إليك المهم: ما دمت جئت وصمدت أمام العاصفة وعقدت العزم على مواصلة السعي على الرغم مما قلت إنه جرح مفتوح في صدرك، فإنني أعدك ألا ألقي بنفسي من فوق الصخرة. أعدك أن ألتمس سبيل العودة إلى الأصدقاء الذين تركتهم، أن أعود لدياري، أن أواصل عملي، أن أفعل أفضل ما في وسعي.»
قال جيمي: «هذا أمر جيد، لكن ليس كافيا. فليس منه جدوى سوى أنك ستبقين على قيد الحياة؛ لأننا لا نحصل على الحياة في هذا العالم بمشيئتنا، وليس من حقنا أن نفرط فيها إلى أن يتوفانا الله. إنني أعرض عليك أن أحمل عن قلبك العبء الذي يعتصرك. أليس في الذراع المبسوطة حول كتفيك القليل من الأمان؟ ألا يبدو صوتي صادقا؟ ليس لدي أي مانع مطلقا في إخبارك من أنا، أو من أين جئت، أو أين سأذهب بعد مغادرة هذه الصخرة. لقد أخبرتك أنني لن أتبعك. إن كان فيما ستقولينه الليلة شيء يحمر له وجهك خجلا غدا، فإنني لن أتطفل، لكنني أرجوك أن تصدقيني حين أقول إنني متأكد من قدرتي على مساعدتك، إن أخبرتني.»
وكان ذلك كلاما جريئا وجسورا جدا أن ينطق به جيمي لأي امرأة في محنة، وهو لديه ستة شهور ليعيشها وليس لديه نقود في جيبه. إلا أنه نطق به بثقة تامة، وكان ثمة شيء في صوته يوحي بالاقتناع. وقبل أن يعرف ما الذي حدث له بالضبط، حصل الشيء الذي كان يسعى إليه. إذ شعر على امتداد جسده بانبساط العضلات المشدودة بجانبه. فانحنى ليمد ستار معطف المطر.
فقال بالنبرة نفسها التي كان سيستخدمها مع طفل في السادسة من عمره: «أحسنت يا فتاة.» ثم أضاف: «والآن، هيا أخبريني بما حدث لك. لست بحاجة إلى أن تحكي القصة بأكملها. لك أن تحكيها في عشر كلمات إن أردت. ما الذي يؤلمك؟ كيف يمكن إصلاحه؟»
استطاع مرة أخرى أن يشعر باجتهادها في التفكير.
قالت صاحبة الصوت المجاور له: «حسنا.» وتابعت: «أكثر ما أحتاج إليه من الدنيا في هذه اللحظة هو عقد زواج وخاتم زواج، واسم لوالد طفل لم يولد بعد. وإنني في حاجة ملحة إلى ذلك. هذا كل ما في الأمر. والآن أوف بما وعدت به!»
قال جيمي في الحال بسلاسة: «حسنا.» وأضاف: «إن الاقتراح الذي عرضته علي لهو أسهل شيء يمكنني تدبره. فلدي اسم وليس منه أي فائدة لي، وليس أمامي وقت كاف لأستخدمه فيه. ولدي قوة كافية لتدبر إذن الزواج ومراسم عقد القران إن لزم الأمر. إن تعهدت لي بكلمة شرف أن يعالج البلاء الذي في قلبك بإعطائك الاسم الذي سأكف عن استخدامه بعد قليل، فسوف تتأكدين أنني كنت محقا حين أخبرتك أن باستطاعتي حل مشكلتك. لقد ظللت طوال الأيام الماضية أتساءل ما هو الشيء الصالح والمشرق الذي أستطيع أن أقابل به الله حين يتوفاني، حيث إنني سأتوفى بعد مدة قصيرة، وقد أتحت لي السبيل. أعتقد أنه سيصبح تصرفا كريما جدا، أعتقد أنه سيكون شيئا يرضى عنه الله، إن تركت اسمي لطفل صغير سيخطو خطواته نحو الأرض ليواجه ميراثا لا تريدينه له.»
Página desconocida