Muntaqa Min Minhaj Ictidal
المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال
Investigador
محب الدين الخطيب
وَأما المتحيز فَفِي اللُّغَة مَا تحيز إِلَى غَيره كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿أَو متحيزا إِلَى فِئَة﴾ وَهَذَا لَا بُد أَن يُحِيط بِهِ حيّز وجودي فالباري تَعَالَى لَا يُحِيط بِهِ شَيْء من مخلوقاته فَلَا يكون متحيزا فِي اللُّغَة
وَأما أهل الْكَلَام فإصطلاحهم فِي المتحيز أَعم من هَذَا يجْعَلُونَ كل جسم متحيزا والجسم عِنْدهم مَا يشار إِلَيْهِ فَتكون السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا فيهمَا متحيزا على إصطلاحهم لَا فِي اللُّغَة
ويريدون بالحيز أمرا مَعْدُوما وَالْمَكَان أمرا مَوْجُودا يُخَالف الحيز العدمي
فمجموع الْأَجْسَام لَيست فِي شَيْء مَوْجُود فَلَيْسَتْ فِي مَكَان وَالْفَخْر الرَّازِيّ يَجْعَل الحيز تَارَة مَوْجُودا وَتارَة مَعْدُوما وَقد علم بِالْعقلِ وَالنَّقْل أَن الله بَائِن من خلقه لِأَنَّهُ كَانَ قبل خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَلَمَّا خلقهَا إِمَّا أَن يكون قد دخل فِيهَا أَو دخلت فِيهِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنع فَتعين أَنه بَائِن عَنْهَا والنفاة يدعونَ أَنه لَيْسَ مباينا لخلقه وَلَا مداخلا لَهُ وَهَذَا مُمْتَنع فِي الْعُقُول لَكِن يدعونَ أَن القَوْل بإمتناع ذَلِك هُوَ من حكم الْوَهم لَا من حكم الْعقل
ثمَّ إِنَّهُم تناقضوا فَقَالُوا لَو كَانَ فَوق الْعَرْش لَكَانَ جسما لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يتَمَيَّز مِمَّا يَلِي هَذَا الْجَانِب
فَقيل لَهُم مَعْلُوم بضرورة الْعقل أَن إِثْبَات مَوْجُود فَوق الْعَالم لَيْسَ بجسم أقرب إِلَى الْعقل من إِثْبَات قَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ بمباين للْعَالم وَلَا بمداخل لَهُ
وَكَذَلِكَ لفظ الْجِهَة يُرَاد بِهِ أَمر مَوْجُود كالفلك الْأَعْلَى وَيُرَاد بِهِ أَمر عدمي كَمَا وَرَاء الْعَالم فَإِذا أُرِيد بِهِ الثَّانِي أمكن أَن يُقَال كل جسم فِي جِهَة وَإِذا أُرِيد الأول إمتنع أَن يكون كل جسم فِي جسم آخر
فَمن قَالَ الْبَارِي فِي جِهَة وَأَرَادَ بهَا أمرا مَوْجُودا فَكل مَا سواهُ مَخْلُوق لَهُ فِي جِهَة بِهَذَا التَّفْسِير فَهَذَا مخطيء وَإِن أَرَادَ بالجهة أمرا عدميا وَهُوَ مَا فَوق الْعَالم وَقَالَ إِن الله فَوق الْعَالم فقد أصَاب وَلَيْسَ فَوق الْعَالم
1 / 110