إنهم لا يسألون عن نزاهة الحاكم وعدله، بل يسألون: «منو» مفتاحه؟ وعلى يد من ينام؟ ...
وهكذا فسد المتصرفون الأخيرون؛ فبلعوا الجمل وحمله ... وطغت الرشوة حتى صار لكل دعوى سعر، ولكل وظيفة ثمن، يوظفون اليوم ويعزلون غدا.
ويذكرون عن متصرف مظفر باشا، أن حرمه النظيفة الشريفة أقفلت عليه باب الحمام وما فتحته له حتى وقع «البيلوردي» وختمها، وهكذا عينت الزائد الأخير قائم مقام على جزين.
وروي أنه كان لأحد الكهنة دعوى في أيام واصا باشا، وخاف هذا الخوري أن يقف دولاب دعواه، أو يدور بالمقلوب إذا لم يزيت البراغي، فسأل كالعادة عن «المفتاح»، فقالوا له: كوبليان صهر الباشا، فسار إليه وفي جيبه أصبع من الذهبات الرنانة .
وكانت المقابلة، فتمسكن الخوري حين عرض ظلامته على كوبليان أفندي، ولما استأنس الخوري التمس انشراح الخاطر العاطر، فأجابه كوبليان: قضيتك تعني القاضي فلانا؟
فأجابه الخوري: الكل «بصاية» أفندينا، نرجو نظرك.
فهمهم كوبليان وهز رأسه، ثم أطرق كالأفعوان حين أدخل الخوري يده في جيبه.
وقام الخوري مودعا واضعا الأصبع الذهبي في يد كوبليان أفندي؛ فانتقض هذا وقال له بنزق: باباز أفندي - الخوري في التركية - ما كنت أنتظر هذا من كاهن مثلك.
فتزعزعت آساس الخوري، ثم اعتذر وخرج يطري نزاهة كوبليان، ويتغضب على الذين يتهمونه بالرشوة، فقال له أحدهم: كم أعطيته؟
فقال: خمسين عسملية.
Página desconocida