Monadología y principios de la naturaleza y la gracia
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
Géneros
وقد كان لهذا العرض الأنثروبولوجي والمادي لفلسفة ليبنتز أثره الكبير على المادة الجدلية. وجدير بالذكر أن هذا الكتاب كان من الكتب التي عكف لينين على دراستها، واقتباس أجزاء منها أثناء الفترة التي قضاها منفيا في سويسرا. وامتد هذا التأثير حتى بلغ ذروته في كتاب صدر حديثا لهانز هبنس هولس، حاول فيه أن يفسر ليبنتز تفسيرا ماديا ملحدا،
28
وأن يثبت بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة أن فلسفته فلسفة مادية تتستر وراء المثالية، وأن إيمانه بالله ليس إلا إلحادا مقنعا! بل لقد أصبح ليبنتز في رأي المؤلف هو نموذج الملحد، كما أصبح حديثه عن الله مجرد رواسب من تدين شخصي غريب على مذهبه الحقيقي! وإذا كان العارفون بليبنتز قد حنقوا أشد الحنق على هذا التفسير المتعسف، فإنه قد لفت الأنظار على أية حال إلى مسألتين هامتين؛ أما المسألة الأولى فهي أن الحدود التي توضع عادة بين الواحدية الروحية والواحدية المادية ليست حدودا واضحة، ولا فاصلة بالقدر الكافي. وأما الثانية فهي أن نظرية ليبنتز عن الله لا تزال في حاجة إلى مزيد من النقد والتمحيص والتفسير. ولعل الغاضبين على هذا التفسير أن يكونوا على حق في غضبهم؛ فمثل هذا التفسير لليبنتز أو غيره - وإن استحق الإعجاب بجرأته أو تهوره - لا يتم إلا على حساب المذهب نفسه، ولا يتناسب فيه الربح مع الخسارة. وإذا أردنا أن نحافظ على اتساقه فلا بد من التضحية بجوانب رئيسية من مذهب الفيلسوف على أساس أنها «غريبة عنه». ومن يدري؟ فقد يؤدي هذا بصورة ضمنية إلى إدانة الفيلسوف وإثبات نفاقه وتعدد وجوهه. وهو خطر لا يمكن المغامرة به في كل الأحوال. فقد يرضي زهو المفسر صاحب الرأي الجديد العنيد، ولكنه سيضلل الباحث المتواضع الذي يسعى إلى وضع المذهب في إطاره التاريخي الصحيح.
وربما كانت الفلسفة الألمانية في القرن التاسع عشر أكثر من ذلك إنصافا لروح الفيلسوف وحروفه، فها هم أولاء يوهان فريدريش هربارت (1776-1841م)، وبرنهارد بولزانو (1781-1848م)، وهرمان لوتزه (1817-1881م) يتأثرون بليبنتز في مذاهبهم الميتافيزيقية والمنطقية، ويفسرونه كما كان يحب لنفسه أن يفسر، أعني كفيلسوف إلهي ومنطقي يبحث عن الحقائق الخالدة في عقل الله وعقل الإنسان خليفته وصورته المصغرة على الأرض. ولم يكتف هؤلاء الفلسفة الثلاثة بإنصاف ليبنتز، بل بثوا الحياة في فلسفته، وبخاصة نظريته في المونادات أو الكائنات البسيطة غير المادية، أو عناصر الواقع المحملة بالطاقة التي بنى عليها هربارت ميتافيزيقاه. وقد كان للوتزه وبولزانو فضل كبير في نقل مذهب ليبنتز في صورته النقية إلى القرن العشرين.
بدأ الحوار الحي العميق مع أفكار ليبنتز مع بداية هذا القرن. ففي سنة 1900م نشر برتراند رسل كتابه العظيم «عرض نقدي لفلسفة ليبنتز»،
29
الذي ذهب فيه، إلى أن الرياضة والمنطق هما محور فلسفته، وأن قضية «تضمن الموضوع للمحمول»، هي أساس مذهبه الميتافيزيقي عن الجواهر البسيطة أو المونادات. ونشر الفيلسوف الفرنسي لوي كوتيرا كتابه «منطق ليبنتز» سنة 1901م، وضمنه وثائق لم يسبق نشرها، فلفت الأنظار إلى أن هذا المنطق «ليس قلب المذهب وروحه فحسب، إنما هو كذلك محور نشاط ليبنتز العقلي.» ثم توالت البحوث التي تؤكد أبوة ليبنتز للمنطق الرياضي الحديث، ومن أهمها بحوث هينريش شولس الذي بلغ به الحب والتقدير للفيلسوف أن سمى لغة الحساب المنطقي «لغة ليبنتز»! ولا شك أن فضل ليبنتز على المنطق الحديث لا ينكر؛ فقد وجهه إلى الطريق الذي يسير فيه بما كتبه فيه، ودعا إليه من «ترييض» المعارف المختلفة - بما في ذلك الميتافيزيقا - وإنشاء لغة تصورية حسابية تقضي على الخلافات والمجادلات الدائرة على مسرح الفلسفة والمعرفة جميعا! والواقع أن من الصعب تحديد أثره على ازدهار المنطق الرياضي الحديث بعد سنة 1850م، وإن كان أثره عليه قد اتضح بصورة قاطعة بعد بداية القرن، بفضل بحوث رسل وكوتيرا التي أشرت إليها منذ قليل.
30
ولعل أهم ما في هذا كله هو أن ليبنتز قد جعلنا أقدر على فهم العلاقة الوثيقة بين الفلسفة والرياضة. وإذا لم يكن من الممكن ولا من العقل أن تتخلى الفلسفة عن شخصيتها وروجها ومنهجا لتغرق في الرياضة، فإنها تستطيع مع ذلك أن تفيد من نتائج الرياضة والعلوم الطبيعية. وهذا هو الدرس الحي الذي أخذته معظم الفلسفات العلمية المعاصرة من ليبنتز. هذا إلى جانب درس آخر لا يقل عنه أهمية؛ وهو أن يتعلم الفلاسفة كيف يرتفعون فوق حدود التخصص الضيقة، ويعودوا عيونهم وقلوبهم على النظرة الكلية المتعالية، والحكم المترفع النزيه. وهذه النظرة الكلية التي لا يغفل لها طرف عن مكان الفرد من المجموع، والجزء من الكل هي التي تستطيع أن تصحح أخطاء التخصص العلمي الضيق والضروري في آن واحد. بيد أن تأثير ليبنتز لم يقتصر على المنطق الحديث. ويبدو من العسير أن نحصر أفضاله على مختلف جوانب المعرفة قبل أن نتزود بالنظرة الكلية المتكاملة لتفكير هذا الرجل الموسوعي العجيب. فحيثما تلفتنا عثرنا على آثاره هنا أو هناك. قد يمكننا أن نتبين بصماته الواضحة على التحليلات اللغوية والمنطقية للوضعيين الجدد ، وكتابات علماء النفس التحليلي عن اللا شعور (ويكفي أن نذكر نظرية يونج عن اللاشعور الجمعي) و«فلاسفة الحياة» من فرنسيين وألمان عن الطاقة الحيوية، وفلاسفة العلم عن الطاقة والقوى الدينامية. ولعل تأثيره أن يكون قد اتضح بأجلى صورة على فلسفة وايتهيد (1861-1947م) الذي بدأ من الرياضة والفيزياء ليصل بمغامرته الفكرية الإنسانية العميقة إلى مذهب ميتافيزيقي اهتدى فيه بأفلاطون وأينشتين على السواء!
وإذا كان السؤال عن تأثير ليبنتز على فروع المعرفة المختلفة سؤالا لا يزال ملحا ولا يزال في حاجة إلى دراسات مستفيضة، فإن السؤال عما بقي حيا من فلسفته أو بالأحرى عما ينبغي أن يبقى منها مؤثرا فعالا، هو سؤال أشد إلحاحا. وقد أشرنا إلى رأيه في الفلسفة الخالدة، ودعوته للرجوع إلى الرواد الأعلام من مفكري الماضي لنأخذ عنهم الحقيقة الكامنة في كل فكر عظيم، فوسع من نظرتنا المحدودة بقصورنا وعجزنا البشري. ونحن اليوم في أشد الحاجة إلى تلبية هذا المطلب والإنصات لهذا الصوت. فما أكثر الدروس التي يمكن أن نتعلمها منه! ولعل من أهمها أن تكون رغبتنا في التلقي والتعلم أكبر من شهوتنا للهدم والتحطيم. وقد عبر ليبنتز بنفسه عن هذا المعنى الجميل الجليل في رسالة كتبها إلى ريمون
Página desconocida