وفي سنة ٧٨٨ ولي الحافظ العراقي قضاء المدينة، وكان يومئذٍ في الثالثة والخمسين، وزميله الحافظ الهيثمي في الثالثة والأربعين، فأقاما فيها نحو ثلاث سنين، ولما أراد الحافظ العراقي الرجوع من المدينة جعل وداعه لهذه العاصمة الأولى من عواصم الإسلام جمع أحاديث النبي ﷺ في فضل العرب الذين قام على عواتقهم البنيان الأول للكيان الإِسلامي، قال في آخرها "أكملت تبييضه في يوم الثلاثاء ٢٥ من شهر رجب سنة ٧٩١ بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام".
وكان معهم في هذه الحقبة الابن النجيب للحافظ العراقي ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم المولود في ذي الحجة سنة ٧٦٢، وكان في ذلك الحين في العقد الثالث من حياته.
ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم الحافظ الهيثمي في مختلف البلاد -مشتركًا مع الحافظ العراقي أو منفردًا- عبد الرحمن بن عبد الهادي، ومحمد بن إسماعيل بن الملوك، ومحمد بن عبد اللَّه النعماني، وأحمد بن الرصدي، والحافظ العرضي، ومظفر الدين محمد بن محمد بن يحيى العطار، وعلاء الدين التركماني.
قال الشمس السخاوي في الضوء اللامع (٥/ ٢٠١): وهو مكثر سماعًا وشيوخًا، ولم يكن الحافظ زين الدين العراقي يعتمد في شيء من أموره إلَّا عليه، حتى إنه أرسله مع ولده ولي الدين لما ارتحل بنفسه إلى دمشق، وزوجه ابنته خديجة، ورزق منها عدة أولاد، وكتب الكثير من تصانيف الشيخ، بل قرأ عليه أكثرها، بل تخرج به في الحديث، وقال قبل ذلك: لم يفارق الزين العراقي سفرًا وحضرًا حتى مات، فحج معه جميع حجاته، ورحل معه سائر رحلاته، ورافقه في جميع مسموعه، وربما سمع الزين بقراءته، ولم ينفرد عنه الزين بغير شهاب الدين بن البابا والتقي السبكي، وعبد الرحيم بن شاهد الجيش. كما أن الهيثمي لم ينفرد عن الحافظ العراقي بغير صحيح مسلم على ابن عبد الهادي.
والحافظ العراقي هو الذي درَّب الهيثمي في إفراد زوائد الكتب، كالمعاجم الثلاثة للطبراني، والمسانيد الثلاثة: لأحمد، والبزار، وأبي يعلى الموصلي.
وأول ما أشار عليه بجمعه، وأعانه عليه بما عنده من الكتب، وأرشده إلى التصرف في ذلك: زوائد مسند الإِمام أحمد. لما فرغ من تسويده راجعه الحافظ العراقي، وسماه "غاية المقصد، في زوائد الإِمام أحمد"، وهو في مجلدين.
1 / 24