المبحث الثاني ترجمة الحافظ نور الدين الهيثمي
ولادته في رجب سنة ٧٣٥ - وفاته ليلة الثلاثاء ٢٩ رمضان ٨٠٧.
هو أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي الحافظ.
كان أبوه صاحب حانوت في صحراء الفسطاط بينها وبين المقطم، فولد له في رجب سنة ٧٣٥، نشأ في تلك البقعة المنعزلة، وقرأ القرآن، ثم ساقته المقادير قبل سنة ٧٥٠ لصحبة رجل الحديت النبوي وعلومه في عصره الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (٧٢٥ - ٨٠٦) وكان الهيثمي يومئذٍ في الخامسة عشرة والعراقي في الخامسة والعشرين، فشمله بعطفه ورعايته وعنايته، وحبَّب إليه العلوم الإِسلامية والحصول عليها من ينابيعها الأولى، وكان الزين العراقي في صدر حياته العلمية وأوائل طلبه لعلوم الستة، فصحبه في هذا الطريق المنير وسار معه فيه متعاونين على البر والتقوى، ولازمه إلى أن فرق الموت بينهما بعد صحبة ست وخمسمين سنة، وكان الهيثمي في هذه العشرة الطويلة الأخ الأصغر لهذا الأخ الأكبر، فخدمه، وانتفع به، وسمع معه من شيوخه، فاشتركا معًا في أكثر من أخذا عنهم العلم في بقايا مدينة الفسطاط والقاهرة، وفي الحرمين الشريفين وبيت المقدس ودمشق وبعلبك وحلب وحماة وحمص وطرابلس الشام وغيرها.
سمعا معًا -في ابتداء الطلب- على الخطيب أبي الفتح الميدومي في مصر فأكثرا عنه، وهو من أعلى مشايخهما إسنادًا، وعلي ابن الملوك، وابن القطرواني، وغيرهم من المصريين.
ثم رحلا إلى دمشق سنة ٧٦٥ فسمعا من محمد بن إسماعيل بن الخباز، ومن أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن المرداوي وابن الحموي، وابن قيم الضيائية، والجم الغفير من أصحاب الفخر بن البخاري، وابن عساكر وغيرهم. وتكرَّرت رحلاتهما مرات إلى دمشق وحلب والحجاز. وأرادا الدخول إلى العراق، ففترت همتهما من خوف الطريق في ذلك الحين. وذهبا إلى الإِسكندرية. ثم عزما على التوجه إلى تونس والمغرب فلم يقدَّر لهما ذلك.
1 / 23