Resumen de Zad al-Maad
مختصر زاد المعاد
Editorial
دار الريان للتراث
Número de edición
الثانية
Año de publicación
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Ubicación del editor
القاهرة
عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي حَقِّ الْجِهَادِ، فَقَالَ ابْنُ عباس: هو استفراغ الطاقة فيه، وأن لا يخاف في الله لومة لائم. وقال ابن الْمُبَارَكِ: هُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَالْهَوَى. وَلَمْ يُصِبْ من قال: إن الآيتين منسوختان؛ لظنه تضمنهما ما لَا يُطَاقُ، وَحَقُّ تُقَاتِهِ وَحَقُّ جِهَادِهِ: هُوَ مَا يُطِيقُهُ كُلُّ عَبْدٍ فِي نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يختلف باختلاف أحوال المكلفين. وَتَأَمَّلْ كَيْفَ عَقَّبَ الْأَمْرَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] (١) والحرج: الضيق. وقال ﷺ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»، فَهِيَ حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ، سَمْحَةٌ فِي الْعَمَلِ، وقد وسع الله سبحانه عَلَى عِبَادِهِ غَايَةَ التَّوْسِعَةِ فِي دِينِهِ وَرِزْقِهِ وعفوه ومغفرته، فبسط عَلَيْهِمُ التَّوْبَةَ مَا دَامَتِ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ، وجعل لكل سيئة كفارة، وجعل لكل ما حرم عوضا من الحلال، وَجَعَلَ لِكُلِّ عُسْرٍ يَمْتَحِنُهُمْ بِهِ يُسْرًا قَبْلَهُ ويسرا بعده، فَكَيْفَ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يَسَعُهُمْ، فَضْلًا عَمَّا لا يطيقونه.
[فصل في أنواع الجهاد]
فصل إذا عرف هذا، فالجهاد على أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس وهو أيضا أربع مراتب:
أحدها: أن يجاهدها على تعلم الهدى. الثانية: على العمل به بعد علمه. الثالثة: على الدعوة إليه، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ الله. الرابعة: على الصبر على مشاق الدعوة، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ على أن العالم لا يكون رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ، ويدعو إليه. المرتبة الثانية: جهاد الشيطان، وهو مرتبتان: أحداهما: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات. الثانية: على دفع ما يلقي من الشهوات، فالأول يَكُونُ بَعْدَهُ الْيَقِينُ، وَالثَّانِي يَكُونُ بَعْدَهُ الصَّبْرُ، قال تعالى: ﴿مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤] (٢) . والمرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين، وهو أربع مراتب، بالقلب واللسان والمال والنفس، وجهاد
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٧٨.
(٢) سورة السجدة، الآية: ٢٤.
1 / 96