صار واليا بالمغرب، واستولى على بلاد إفريقية، وملك بنوه مصر وما حولها. ثم لابنه أحمد (١) القائم بأمر الله، ثم لابنه إسماعيل المنصور بقوة الله، (٢) ثم لابنه معد المعز لدين الله، (٣) ثم لابنه المنصور نزار العزيز بالله، (٤) ثم لابنه أبي علي الحاكم بأمر الله، (٥) ثم لأبي الحسن الظاهر بدين الله، (٦)
ثم لمعد المستنصر بالله، (٧) وذلك بنص الآباء بترتيب الولادة. وهذا الترتيب إلى هنا مجمع عليه عندهم.
واختلفوا بعد المنتصر لما أنه نص أولا على إمامة ابنه (٨) نزار، وثانيا على إمامة ابنه أبي القاسم المستعلي بالله، (٩) فبعضهم تمسك بالنص الثاني وقال إنه ناسخ للأول، فقال بإمامة المستعلي فسموا المهدوية (المستعلية) (١٠) ثم بإمامة ابنه المنصور الآمر بأحكام الله، (١١) ثم بإمامة أخي المنصور هذا عبد المجيد الحافظ لدين الله، (١٢) ثم بإمامة ابنه أبي المنصور محمد الظافر بأمر الله، (١٣) ثم بإمامة ابنه أبي القاسم الفائز بنصر الله، (١٤) ثم بإمامة ابنه محمد العاضد لدين الله، (١٥)
وقد خرج على هذا أمراء الشام واستولوا عليه فسجنوه حتى مات وما بقي بعده أحد من أولاد المهدي داعيا للإمامة.
وبعضهم تمسك بالنص الأول وألغى الثاني فقال بإمامة نزار ويقال للقائلين بذلك «النزارية» وقد يقال لهم «الصباحية» و«الحميرية» نسبة للحسن ابن صباح الحميري (١٦) حيث قام بالدعوة لطفل سماه الهادي زاعما أنه ابن نزار، (١٧) فهو الإمام عندهم بعد أبيه، ثم ابنه الحسن، (١٨) وزعم هذا أنه يجوز للإمام أن يفعل ما شاء، وأن يسقط التكاليف الشرعية. وقد قال لأصحابه: إنه أوحي إلي أن أسقط عنكم التكاليف الشرعية، وأبيح لكم المحرمات، بشرط أن لا تنازعوا بينكم ولا تعصوا إمامكم. ثم ابنه محمد، (١٩) وكان متخلقا بأخلاق أبيه، وكذا ابنه علاء الدين محمد. (٢٠)
وأما ابنه جلال الدين حسن ابن محمد بن الحسن (٢١) فقد كان متصلبا في الإسلام منكرا مذهب آبائه حسن الأخلاق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. وأما ابنه علاء الدين (٢٢) فقد صار ملحدا بعد أبيه الحسن، وكذا ابنه ركن الدين. (٢٣) وقد ظهر في زمن هذا جنكيزخان (٢٤) فخرب مملكته وكان إذ ذاك بالري (٢٥) وتحصن في قلعة ألموت (٢٦) من قلاع طبرستان، (٢٧) ولم يتم له ذلك، بل كان آخر أمره من أتباع
_________
(١) اسمه في المصادر محمد وليس أحمد. تولى بعد أبيه سنة ٣٢٢هـ وتلقب بالقائم بأمر الله، حاول احتلال مصر وفشل، مات سنة ٣٣٤هـ. أخبار بني عبيد: ص ٥٣؛ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى: ٢/ ٦.
(٢) هو إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، أبو طاهر المنصور، ثالث خلفاء الدولة العبيدية بالمغرب بويع سنة ٣٣٦هـ، وتوفي سنة ٣٤١هـ. أخبار بني عبيد: ص٥٣؛ وفيات الأعيان: ١/ ٢٣٤.
(٣) هو أبو تميم معد بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، الملقب بالمعز لدين الله، تولى أمر بني عبيد سنة ٣٤١هـ، وانتقل إلى مصر سنة ٢٦٢هـ، ووطد حكم العبيديين فيها فبنى القاهرة واستقر بها، وكانت وفاته سنة ٣٦٥هـ. وفيات الأعيان: ٥/ ٢٢٤؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٥٩؛ النجوم الزاهرة: ٣/ ٣٠٨.
(٤) هو نزار بن معد بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، الملقب بالعزيز بالله، آل إليه الأمر في القاهرة سنة ٣٦٥هـ، ومات سنة ٣٨٠هـ. وفيات الأعيان: ٥/ ٣٧١؛ أخبار بني عبيد: ص ٩٣؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٦٧.
(٥) سادس خلفاء العبيديين، تولى سنة ٣٨٦هـ، وصفه الذهبي ب: «الرافضي بل الإسماعيلي الزنديق المدعي للربوبية ...» وقال عنه: «كان شيطانا مريدا جبارا عنيدا، كثير التلون سفاكا للدماء خبيث النحلة عظيم المكر ... كان فرعون زمانه يخترع كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة ﵃، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع وأمر عماله بالسب»، تولى مصر ٤١١هـ، ومات سنة ٤٢٧هـ. سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٧٣؛ النجوم الزاهرة: ٤/ ٢٧٦؛ شذرات الذهب: ٣/ ١٩٢.
(٦) بويع وهو صبي بعد مقتل أبيه في شوال سنة ٤١١، مات سنة ٤٢٧هـ. أخبار بني عبيد: ١/ ٣٠١؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٨٤؛ النجوم الزاهرة: ٤/ ٢٤٧ ..
(٧) تولى بعد أبيه وله سبع سنين، وذلك في شعبان سنة ٤٢٧هـ، فامتد حكمه ستين سنة وأربعة أشهر، وخطب له بأمرة المؤمنين على منابر العراق سنة ٤٥١هـ، بعد تغلب بعض دعاة الإسماعيلية عليها وهروب الخليفة العباسي القائم بأمر الله، مات المستنصر سنة ٤٨٧هـ. أخبار بني عبيد: ص ١٠٤؛ وفيات الأعيان: ٥/ ٢٢٩؛ سير أعلام النبلاء ١٥/ ١٨٦.
(٨) في المطبوع (أخيه)، حيث ذكر المؤرخون للمستنصر ولدين، نزار وأحمد، وكان المستنصر عقد ولاية العهد لابنه الكبير نزار، وعندما مات المستنصر مال رجال القصر لبيعة أحمد، وبايعوه ولقبوه بالمستعلي، لكن خرج نزار إلى الإسكندرية، وبويع فيها ولقب بالمصطفى لدين الله، وتحارب الطرفان، حتى تغلبت جيوش المستعلي ودخلت الإسكندرية سنة ٤٣٧هـ. النجوم الزاهرة: ٥/ ١٤٣ - ١٤٥
(٩) هو أبو القاسم أحمد بن معد المستنصر، ولي الأمر سنة ٤٨٧هـ، قال الذهبي: «وفي أيامه وهت الدولة العبيدية واختلت قواعدها وانقطعت الدعوة لهم من أكثر مدائن الشام واستولى عليها الإفرنج وغيرهم ..»، مات سنة ٤٩٥هـ. أخبار بني عبيد: ص ١٠٥؛ وفيات الأعيان: ١/ ١٧٨؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٩٦.
(١٠) وبسبب ذلك افترقت الإسماعيلية فرقتين إحداهما يرأسها في زماننا آغا خان، والأخرى وتسمى «البهرة» يرأسها طاهر سيف الدين.
(١١) ولي أمر مصر وهو صغير سنة ٤٩٥هـ، فاستولى الصليبيون على معظم المدن الساحلية الشامية، وصفه الذهبي ب «الرافضي الظلوم، كان متظاهرا بالمكر واللهو والجبروت» قتل سنة ٥٢٤هـ من غير عقب فبويع ابن عمه عبد المجيد الحافظ لدين الله. أخبار بني عبيد: ص ١٠٥؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٩٧؛ شذرات الذهب: ٤/ ٧٢.
(١٢) عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، ولي الأمر سنة ٥٢٤هـ وكان ضعيف الرأي فتغلب على الأمر أمير الجيش أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي، وهذا على مذهب الاثني عشرية، فأصبحت الدعوة في مصر للمنتظر صاحب السرداب، ولذلك قتل على يد فارس من خاصته سنة ٥٢٦هـ، فعاد الأمر إلى الحافظ، مات سنة ٥٤٤هـ. سير أعلام النبلاء: ١٥/ ١٩٩؛ النجوم الزاهرة: ٥/ ٢٣٧؛ شذرات الذهب: ٤/ ١٣٨.
(١٣) ابن الحافظ، ولي أمر مصر بعد أبيه سنة ٥٤٤هـ، قال الذهبي: «وكان شابا جميلا وسيما لعابا عاكفا على الأغاني والسراري ..»، وفي عهده انقطعت دعوة الباطنية في سائر الشام والمغرب والحرمين، وبقي لهم إقليم مصر، وقد تغلب عليه وزيره العادل ابن سلار الذي كان سنيا شافعيا، ولكنه قتل، ثم قتل الظافر بعده بعام سنة ٤٥٩هـ. أخبار بني عبيد: ص ١٠٦؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٢٠٥؛ شذرات الذهب: ٤/ ١٥٢.
(١٤) بويع وهو ابن خمس سنوات بعد مقتل أبيه على يد وزيره عباس بن أبي الفتوح سنة ٥٤٩هـ، وحاول الوزير الاستئثار بالأمر لكن أعوان ونساء الظافر راسلوا طلائع بن رزيك الأرمني الرافضي والي المنية، فدخل القاهرة بلا قتال فهرب عباس إلى الشام، مات الفائز سنة ٥٥٥هـ. سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٢٠٥؛ النجوم الزاهرة: ١٥/ ٢٠٧؛ شذرات الذهب: ٤/ ٢٢٢.
(١٥) كذا .. وعند الذهبي: هو عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله، أقامه طلائع بن رزيك بعد موت الفائز، فكان تحت سطوته: «لا حل لديه ولا ربط». ووصف بأنه كان «سبابا خبيثا متخلفا»، وقد قمع أمر العاضد والعبيديين على يد صلاح الدين الأيوبي الذي أزال دولة الرفض، وخلع العاضد سنة ٥٦٧هـ. وفيات الأعيان: ٢/ ٥٢٨؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٢٠٧؛ شذرات الذهب: ٤/ ٢٢٢.
(١٦) الحسن بن الصبّاح بن علي الإسماعيلي، من دعاة الباطنية، اتصل سنة ٤٧٩هـ بالمستنصر العبيدي، وعرض عليه الدعوة لهم في خراسان، فأمده بالمال، واستولى على قلعة ألموت من نواحي قزوين سنة ٤٨٣هـ. قال الذهبي: «كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم»، مات سنة ٥١٨هـ، والفرقة التي أنشأها امتداد للإسماعيلية، وتعرف أيضا بالنزارية. الكامل في التاريخ: ٨/ ٢٢٠.
(١٧) عند الإسماعيلية هو علي بن نزار بن معد بن الحاكم بأمر الله منصور العبيدي، أول أئمة الإسماعيلية النزارية في قلعة ألموت، ولد ونشأ في القاهرة، وارتحل إلى ألموت فتولى إمامة الإسماعيلية بعد موت أبيه وتلقب بالهادي، وعلي هذا هو صاحب فرقة (الفدائية أو الحشاشين) كانت مهمتهم اغتيال أعداء الإسماعيلية، مات سنة ٥٣٠هـ. الأعلام: ٥/ ٢٩؛ تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ١٨٧.
(١٨) ويلقب عند الإسماعيلية بالمهتدي، ولد سنة ٥٠٣هـ، وتسلم أمور الإسماعيلية سنة ٥٣٠هـ بعد موت أبيه، وكان محمد كيا بزرك هو المتصرف الحقيقي في القلعة حتى وفاة المهتدي سنة ٥٥٢هـ. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٤
(١٩) محمد بن كيا بزرك أميد ثالث الحجج عند الإسماعيلية، تولى الأمر بعد أبيه سنة ٥٣٢هـ، وعاش حتى سنة ٥٥٧هـ. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٤.
(٢٠) محمد بن الحسن الملقب ب (أعلا محمد)، تسلم إمامة الإسماعيلية سنة ٥٦١هـ، وكان من المتعصبين الغالين، مات سنة ٦٠٧هـ. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٥.
(٢١) تولى إمامة الإسماعيلية في (ألموت) بعد محمد بن الحسن (أعلا محمد) ابنه حسن المعروف بجلال الدين تولى أمر الإمامة عندهم سنة ٦٠٧هـ، وكان حريصا على نشر مذهب الإسماعيلية في بلاد الشام وفارس، مات سنة ٦١٩هـ. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٦.
(٢٢) كان صغيرا عند مقتل والده سنة ٦١٩هـ، فتسلمت أمه أمور الإسماعيلية بالوصاية عليه، وعندما بلغ الخامسة عشر تسلم الأمر، واشتهر بالصلاح وعودته إلى دين الحق، ولذلك ذمه مؤرخو الإسماعيلية واتهموه بأنه لسبب انهيار دولتهم في قلعة (ألموت). تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٧.
(٢٣) تسلم بعد مقتل والده سنة ٦٥٣هـ، وفي عهده بدأ غزو المغول للعالم الإسلامي، حيث سيطر المغول على قلعة ألموت فأخذ ركن الدين أسيرا سنة ٦٥٥هـ، فأمر بقتله إمبراطور المغول وبقتل أولاده أينما كانوا. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٩ - ١٠٠.
(٢٤) قائد مغولي قاد قومه التتر في فتوحات واسعة، قال الذهبي: أول مظهره سنة ٥٥٩هـ، ومات سنة ٦٢٤هـ. سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٣٧٩؛ شذرات الذهب: ٥/ ١١٣؛ دائرة المعارف الإسلامية: ٢٢/ ٢٣٤.
(٢٥) مدينة في خراسان. معجم البلدان: ٣/ ١١٦.
(٢٦) القلعة في جبال (البرز) شمال غربي مدينة قزوين، بناها البويهيون ثم استولى عليها الحسن بن الصباح فحصنها وجعلها مقرً أئمة الإسماعيلية. تاريخ الإسماعيلية: ٤/ ٩٢.
(٢٧) مدينة كبيرة في خراسان. معجم البلدان: ٤/ ١٣.
1 / 19