196

Resumen del Tafsir Ibn Kathir

مختصر تفسير ابن كثير

Editorial

دار القرآن الكريم

Número de edición

السابعة

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Exégesis
أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، ثُمَّ قَرَأَ سَعِيدٌ ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فقال: الحصور من كان ذكره مثل ذا.
وَقَدْ قَالَ «الْقَاضِي عِيَاضٌ» فِي كِتَابِهِ «الشِّفَاءِ» اعْلَمْ أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى أَنَّهُ كَانَ حَصُورًا لَيْسَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ كَانَ هَيُّوبًا، أَوْ لَا ذَكَر لَهُ، بَلْ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا حذَاق الْمُفَسِّرِينَ، وَنُقَّادُ العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب لا يليق بِالْأَنْبِيَاءِ ﵈، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصور عَنْهَا، وَقِيلَ: مَانِعًا نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَقِيلَ: لَيْسَتْ لَهُ شَهْوَةٌ فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ بَانَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ نَقْصٌ، وَإِنَّمَا الْفَضْلُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً ثم يمنعها، إِمَّا بِمُجَاهَدَةٍ كَعِيسَى، أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ ﷿ كَيَحْيَى ﵇، ثُمَّ هِيَ في حق من قدر عَلَيْهَا - وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِيهَا، وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ ربه - درجة عليا، وهي درجة نبينا ﷺ الَّذِي لَمْ يَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، بَلْ زَادَهُ ذَلِكَ عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن وإكسابه لَهُنَّ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُنَّ، بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَنَّهَا ليست من حظوط دُنْيَاهُ هُوَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَا غيره فقال: «حبب إليّ من دنياكم» (انظر الشفاء للقاضي عياض فهو كتاب جليل ونفيس) هذا لفظه والمقصود أنه مدح ليحيى بِأَنَّهُ حَصُورٌ لَيْسَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ معصوم من الْفَوَاحِشِ وَالْقَاذُورَاتِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَزْوِيجِهِ بِالنِّسَاءِ الْحَلَالِ وَغَشَيَانِهِنَّ وَإِيلَادِهِنَّ، بَلْ قَدْ يُفْهَمُ وُجُودُ النَّسْلِ لَهُ مِنْ دُعَاءِ زَكَرِيَّا الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: ﴿هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَدًا لَهُ ذُرِّيَّةٌ وَنَسْلٌ وعقب، والله ﷾ أعلم.
قوله تعالى: ﴿وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ هَذِهِ بِشَارَةٌ ثَانِيَةٌ بِنُبُوَّةِ يَحْيَى بَعْدَ الْبِشَارَةِ بِوِلَادَتِهِ، وَهِيَ أَعْلَى مِنَ الأولى، كقوله لِأُمِّ مُوسَى: ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ فَلَمَّا تَحَقَّقَ زَكَرِيَّا ﵇ هَذِهِ الْبِشَارَةَ أَخَذَ يَتَعَجَّبُ مِنْ وُجُودِ الْوَلَدِ مِنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ﴾: أَيِ الْمَلَكُ، ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ أَيْ هَكَذَا أَمْرُ اللَّهِ عَظِيمٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلَا يَتَعَاظَمُهُ أَمْرٌ، ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أَيْ عَلَامَةً أَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى وُجُودِ الْوَلَدِ مِنِّي، ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلى رَمْزًا﴾ أَيْ إِشَارَةً لَا تَسْتَطِيعُ النُّطْقَ مَعَ أَنَّكَ سَوِيٌّ صَحِيحٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ ثم أمره بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال، فقال تعالى: ﴿واذكر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار﴾.
- ٤٢ - وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ
- ٤٣ - يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
- ٤٤ - ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَاطَبَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مَرْيَمَ ﵍، عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اصْطَفَاهَا، أَيِ اخْتَارَهَا لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهَا وَزَهَادَتِهَا، وَشَرَفِهَا وطهارتها من الأكدار والوساوس، واصطفاها ثانيًا

1 / 281