Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Editorial
دار السلام للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٦هـ
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
: مَا حَضَرَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُخِذُوا بِهَا، وَهِيَ الْعِصْيَانُ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: عُقُوبَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ وعِبرة لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ، وَ(مَا) الثَّانِيَةُ بِمَعْنَى: مَنْ، وَقِيلَ: جَعَلْنَاهَا أَيْ: جَعَلْنَا قَرْيَةَ أَصْحَابِ السَّبْتِ عِبرة لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، أَيِ: الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الْحَالِ، وَمَا خَلْفَهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنَ الْقُرَى بعدُ ليتعظوا ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٦٦] لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَلَا يَفْعَلُونَ مثل فعلهم.
[٦٧] قَوْلُهُ ﷿: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة: ٦٧] الْبَقَرَةُ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَقَرِ، يُقَالُ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَقْرِ وهي الشق، سُميت به لأنها تبقر الأرض، أي: تشقها لِلْحِرَاثَةِ، وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى وَأَلْقَاهُ بِفِنَائِهِمْ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَطْلُبُ ثَأْرَهُ وَجَاءَ بِنَاسٍ إِلَى مُوسَى يَدَّعِي عَلَيْهِمُ القتل، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أَمْرُ الْقَتِيلِ عَلَى مُوسَى، قَالَ الكلبي: وذلك قبل نزول قسامة فِي التَّوْرَاةِ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ بِدُعَائِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ [البقرة: ٦٧] أَيْ: تَسْتَهْزِئُ بِنَا نَحْنُ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِ الْقَتِيلِ وَتَأْمُرُنَا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَدْرُوا مَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٦٧] موسى: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٦٧] أَمْتَنِعُ بِاللَّهِ ﴿أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: ٦٧] أَيْ: مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: مِنَ الْجَاهِلِينَ بِالْجَوَابِ لَا عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ جَهْلٌ، فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ عَزْمٌ مِنَ اللَّهِ ﷿ اسْتَوْصَفُوهَا، وَلَوْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى أَدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوهَا لأجزأتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ الله عليهم.
[٦٨] ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ [البقرة: ٦٨] أي: ما سنّها ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٦٨] موسى ﴿إِنَّهُ يَقُولُ﴾ [البقرة: ٦٨] يَعْنِي فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ إِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾ [البقرة: ٦٨] أَيْ لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ، وَالْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ الَّتِي لَا تَلِدُ، والبكر: الفتية الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ، ﴿عَوَانٌ﴾ [البقرة: ٦٨] وسط نصف ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨] أَيْ: بَيْنِ السِّنِينَ، يُقَالُ: عَوَّنَتِ الْمَرْأَةُ تَعْوِينًا إِذَا زَادَتْ عَلَى الثلاثين ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ [البقرة: ٦٨] من ذَبْحُ الْبَقَرَةِ وَلَا تُكْثِرُوا السُّؤَالَ.
[٦٩] ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ [البقرة: ٦٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: صَافٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الصَّفْرَاءُ السَّوْدَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَسْوَدُ فَاقِعٌ، إِنَّمَا يُقَالُ أَصْفَرُ فَاقِعٌ، وَأَسْوَدُ حَالِكٌ وَأَحْمَرُ قَانِئٌ وَأَخْضَرُ نَاضِرٌ وَأَبْيَضُ بقق للمبالغة، ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ [البقرة: ٦٩] إِلَيْهَا يُعْجِبُهُمْ حُسنها وَصَفَاءُ لَوْنِهَا.
[٧٠] ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ [البقرة: ٧٠] أَسَائِمَةٌ أَمْ عَامِلَةٌ؟ ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٧٠] وَلَمْ يَقُلْ تَشَابَهَتْ لِتَذْكِيرِ لَفْظِ الْبَقَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [الْقَمَرِ: ٢٠] وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ جِنْسُ الْبَقَرِ تَشَابَهَ، أَيِ: الْتَبَسَ وَاشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَيْنَا فَلَا نَهْتَدِي إِلَيْهِ ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٧٠] إِلَى وَصْفِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وايْم الله لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَما بُيّنتْ لهم إلى آخر الأبد» (١) .
[قوله تعالى قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ] تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ
[٧١] ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ﴾ [البقرة: ٧١] مُذَلَّلَةٌ بِالْعَمَلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ ذَلُولٌ بيِّن الذل ودابة ذلولة بيّنة الذل، ﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ [البقرة: ٧١] تَقْلِبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ [البقرة: ٧١] أي: ليست بسانية، ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ [البقرة: ٧١] بَرِيئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٧١] لَا لَوْنَ لَهَا سِوَى لَوْنِ
_________
(١) رواه الإمام الطبري في تفسيره جـ ١ / ٢٧٥ وابن كثير ١ / ١٩٩ وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
1 / 35