125

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Editorial

دار السلام للنشر والتوزيع

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٦هـ

Ubicación del editor

الرياض

Géneros

أَنْ يَكُونَ (أَوْ) بِمَعْنَى حَتَّى كَمَا يُقَالُ: تَعَلَّقْ بِهِ أَوْ يُعْطِيَكَ حَقَّكَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ الدِّينِ وَالْحُجَّةِ حَتَّى يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ! وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (آنْ يُؤْتَى) بِالْمَدِّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ تَحْسُدُونَهُ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، هَذَا قول قتادة والربيع، قالا: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ بِأَنْ أَنْزَلَ كِتَابًا مِثْلَ كِتَابِكُمْ وَبَعَثَ نَبِيًّا حَسَدْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٣] قَوْلُهُ: (أَوْ يُحَاجُّوكُمْ) عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ رُجُوعٌ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكُونُ (أَوْ) بِمَعْنَى (أَنَّ) لِأَنَّهُمَا حَرْفَا شَرْطٍ وَجَزَاءٍ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، أَيْ: وَإِنْ يُحَاجُّوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ رَبِّكُمْ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ نَظْمُ الْآيَةِ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسَدُوكُمْ، فَقُلْ: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنْ حَاجُّوكُمْ، فقل: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنِ الْيَهُودِ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] وقوله تعالى: (وَلَا تُؤْمِنُوا) من كَلَامُ اللَّهِ يُثَبِّتُ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ لِئَلَّا يَشُكُّوا عِنْدَ تَلْبِيسِ اليهود وتزويرهم في دينهم، ويقول: لَا تُصَدِّقُوا يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ إلا لمن اتبع دِينَكُمْ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ العلم والدين وَالْفَضْلِ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ في دينكم عند ربكم أي: يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْهُدَى هدى اللَّهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ كُلُّهَا خِطَابَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ تَلْبِيسِ الْيَهُودِ لئلا يرتابوا.
[٧٤] قوله: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ [آل عمران: ٧٤] أَيْ: بِنُبُوَّتِهِ ﴿مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [آل عمران: ٧٤]
[٧٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ أَمَانَةً وَخِيَانَةً، وَالْقِنْطَارُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالدِّينَارُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ الْقَلِيلِ، يَقُولُ: مِنْهُمْ مَنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤَدِّيهَا وَإِنْ قَلَّتْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ هم مؤمنو أَهْلِ الْكِتَابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَصْحَابِهِ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَعْنِي: كُفَّارَ الْيَهُودِ، كَكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﷿: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، أَوْدَعَهُ رَجُلٌ أَلْفًا وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَأَدَّاهَا إِلَيْهِ، (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) يَعْنِي: فِنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ، اسْتَوْدَعَهُ رَجُلٌ من قريش دينارًا فخانه، ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٧٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُلِحًّا، يُرِيدُ يَقُومُ عَلَيْهِ يُطَالِبُهُ بِالْإِلْحَاحِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مُوَاظِبًا أَيْ تُوَاظِبُ عَلَيْهِ بِالِاقْتِضَاءِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَوْدَعْتَهُ ثُمَّ اسْتَرْجَعْتَهُ وَأَنْتَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ تُفَارِقْهُ رَدَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ فَارَقْتَهُ وَأَخَّرْتَهُ أَنْكَرَهُ ولم يؤده، ﴿ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] أَيْ: ذَلِكَ الِاسْتِحْلَالُ وَالْخِيَانَةُ، ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] أَيْ: فِي مَالِ الْعَرَبِ إِثْمٌ وَحَرَجٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] وذلك بأن الْيَهُودَ قَالُوا: أَمْوَالُ الْعَرَبِ حَلَالٌ لَنَا، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينِنَا وَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ فِي كِتَابِنَا، وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا كَانَتْ لنا فيما فِي يَدِ الْعَرَبِ مِنْهَا فَهُوَ لَنَا، وَإِنَّمَا ظَلَمُونَا وَغَصَبُونَا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْنَا فِي أَخْذِنَا إِيَّاهُ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٌ: بَايَعَ الْيَهُودُ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا تَقَاضُوهُمْ بَقِيَّةَ أَمْوَالِهِمْ

1 / 133