53

Mukhtasar Kitab Al-I'tisam

مختصر كتاب الاعتصام

Editorial

دار الهجرة للنشر والتوزيع

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

Géneros

فصل
[لفظ «أهل الأهواء» و«أهل البدع»]
إنَّ لَفْظَ «أَهْلِ الأهواءِ» وَعِبَارَةَ «أَهْلِ الْبِدَعِ» إنَّما تُطلق حَقِيقَةً عَلَى الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا، وَقَدَّمُوا فِيهَا شَرِيعَةَ الْهَوَى بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالنَّصْرِ لَهَا، وَالِاسْتِدْلَالِ على صحتها في زعمهم، كَلَفْظِ «أَهْلِ السُّنَّةِ» إنَّما يُطْلَقُ عَلَى نَاصِرِيهَا، وَعَلَى مَنِ اسْتَنْبَطَ عَلَى وِفقها، وَالْحَامِينَ لذِمَارِها (١) .
فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَوَامِّ لَفْظُ «أَهْلِ الْأَهْوَاءِ» حَتَّى يَخُوضُوا بِأَنْظَارِهِمْ فِيهَا ويُحسِّنوا بِنَظَرِهِمْ ويُقبِّحوا. وعند ذلك يتعين للفظ أهل الأهواء وأهل الْبِدَعِ مدلولٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أنَّه: مَنِ انْتَصَبَ لِلِابْتِدَاعِ وَلِتَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وأمَّا أَهْلُ الْغَفْلَةِ عَنْ ذَلِكَ وَالسَّالِكُونَ سُبُلَ رُؤَسَائِهِمْ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فَلَا.
فَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ أنَّها تَحْتَوِي عَلَى قِسْمَيْنِ: مُبْتَدِعٍ وَمُقْتَدٍ بِهِ. فَالْمُقْتَدِي بِهِ كأنَّه لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعِبَارَةِ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِدَاءِ لأنَّه فِي حُكْمِ الْمُتَّبِعِ، وَالْمُبْتَدِعُ هُوَ الْمُخْتَرِعُ، أَوِ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الِاخْتِرَاعِ، وسواءٌ عَلَيْنَا أَكَانَ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ مِنْ قَبِيلِ الْخَاصِّ بِالنَّظَرِ فِي الْعِلْمِ، أَوْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ الْعَامِّيِّ، فإنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذمَّ أَقْوَامًا قَالُوا: ﴿إنَّا وَجَدْنا آباءَنا علَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدَونَ﴾ (٢) فكأنَّهم اسْتَدَلُّوا إِلَى دليلٍ جُمْلِىٍّ، وَهُوَ الآباءُ إِذْ كَانُوا عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ، وَقَدْ كَانُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَلَيْسَ إِلَّا لأنَّه صَوَابٌ، فَنَحْنُ عَلَيْهِ، لأنَّه لَوْ كَانَ خطأُ لَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ.
وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّةِ الْبِدْعَةِ بِعَمَلِ الشُّيُوخِ وَمَنْ يُشَارُ إليه

(١) الذِّمار: هو كلُّ ما يلزمك حفظه وحمايته والدفاع عنه، كالحرَمَ والعِرض والمال....
(٢) الزخرف: ٢٢

1 / 49