Mukhtasar Kitab Al-I'tisam
مختصر كتاب الاعتصام
Editorial
دار الهجرة للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Géneros
وكان الْإِسْلَامُ فِي أوَّله وجِدَّتِه مُقَاوِمًا بَلْ ظَاهِرًا، وَأَهْلُهُ غَالِبُونَ وَسَوَادُهُمْ أَعْظَمُ الْأَسْوِدَةِ، فَخَلَا مِنْ وَصْفِ الْغُرْبَةِ بِكَثْرَةِ الْأَهْلِ والأولياءِ النَّاصِرِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَهُمْ أَوْ سَلَكَهُ وَلَكِنَّهُ ابْتَدَعَ فِيهِ صَوْلَةٌ يَعْظُمُ مَوْقِعُهَا، وَلَا قُوَّةٌ يَضْعُفُ دُونَهَا حِزْبُ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ، فَصَارَ عَلَى اسْتِقَامَةٍ، وَجَرَى عَلَى اجْتِمَاعٍ وَاتِّسَاقٍ، فَالشَّاذُّ مَقْهُورٌ مضطَّهد، إِلَى أَنْ أَخَذَ اجتماعُه فِي الِافْتِرَاقِ الْمَوْعُودِ؛ وقوتُه إِلَى الضَّعْفِ الْمُنْتَظَرِ، وَالشَّاذُّ عَنْهُ تَقْوَى صَوْلَتُهُ وَيَكْثُرُ سَوَادُهُ، وَاقْتَضَى سرُّ التأسِّي المطالبةَ بالموافقةِ، وَلَا شَكَّ أنَّ الْغَالِبَ أَغْلَبُ، فَتَكَالَبَتْ عَلَى سَوَادِ السُّنَّةِ البدعُ وَالْأَهْوَاءُ، فَتَفَرَّقَ أَكْثَرُهُمْ شِيَعًا. وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ؛ أنَّ أَهْلَ الْحَقِّ فِي جَنْبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ قَلِيلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أكْثرُ النَّاسِ ولوْ حَرصْتَ بمُؤمِنِين﴾ (١)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وقلِيلٌ مِنْ عِبَاديَ الشَّكُورُ﴾ (٢) وَلِيُنْجِزَ اللَّهُ مَا وَعَدَ بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ مِنْ عَوْدِ وَصْفِ الْغُرْبَةِ إِلَيْهِ، فإنَّ الْغُرْبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ فَقْدِ الْأَهْلِ أَوْ قِلَّتِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَصِيرُ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا؛ وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَتَصِيرُ السُّنَّةُ بِدْعَةً، والبدعةُ سُنَّةً، فَيُقَامُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّة بِالتَّثْرِيبِ وَالتَّعْنِيفِ؛ كَمَا كَانَ أوَّلًا يُقَامُ عَلَى أَهْلِ الْبِدْعَةِ، طَمَعًا مِنَ الْمُبْتَدِعِ أَنْ تَجْتَمِعَ كلمةُ الضَّلَالِ، ويأْبى اللَّهُ أَنْ تَجْتَمِعَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَلَا تَجْتَمِعُ الفِرَقُ كلُّها - عَلَى كَثْرَتِهَا - عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّة عَادَةً وَسَمْعًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّة حَتَّى يأْتي أَمْرُ اللَّهِ، غَيْرَ أنَّهم لِكَثْرَةِ مَا تُناوِشُهم الْفِرَقُ الضَّالَّةُ وَتُنَاصِبُهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ اسْتِدْعَاءً إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ، لَا يَزَالُونَ فِي جِهَادٍ وَنِزَاعٍ، وَمُدَافَعَةٍ وَقِرَاعٍ؛ آناءَ اللَّيْلِ والنهار،
_________
(١) يوسف: ١٠٣.
(٢) سبأ: ١٣.
1 / 4