103

Mukhtasar Kitab Al-I'tisam

مختصر كتاب الاعتصام

Editorial

دار الهجرة للنشر والتوزيع

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

Géneros

خلاف عن أحد من الصحابة. وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَا صَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْهُ مَصْلَحَةً تُنَاسِبُ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ قَطْعًا، فإنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى حِفْظِ الشَّرِيعَةِ، وَالْأَمْرُ بِحِفْظِهَا مَعْلُومٌ، وَإِلَى مَنْعِ الذَّرِيعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِهَا الذي هو القرآن. وَإِذَا اسْتَقَامَ هَذَا الْأَصْلُ فَاحْمِلْ عَلَيْهِ كَتْبَ الْعِلْمِ مِنَ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا، إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الِانْدِرَاسُ، زِيَادَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ من الأمر بِكَتْبِ العلم. (المثال الثاني) إنَّ الخلفاء الرَّاشدين قَضُوا بتضمين الصناع (١)، وَوَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ أنَّ النَّاسَ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى الصنَّاع، وَهُمْ يَغِيبُونَ عَنِ الْأَمْتِعَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَغْلَبُ عَلَيْهِمُ التَّفْرِيطُ وَتَرْكُ الْحِفْظَ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ تَضْمِينُهُمْ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمْ لَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَرْكُ الِاسْتِصْنَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ شاقٌ عَلَى الْخَلْقِ، وإمَّا أَنْ يَعْمَلُوا وَلَا يُضَمَّنُوا ذَلِكَ بِدَعْوَاهُمُ الْهَلَاكَ وَالضَّيَاعَ، فَتَضِيعُ الْأَمْوَالُ، وَيَقِلُّ الِاحْتِرَازُ، وتتطرق الخيانة؛ فكانت المصلحة التضمين. وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنَ الْفَسَادِ وَهُوَ تَضْمِينُ الْبَرِيءِ، إِذْ لَعَلَّهُ مَا أَفْسَدَ، وَلَا فَرَّط؛ فَالتَّضْمِينُ مَعَ ذَلِكَ كَانَ نَوْعًا مِنَ الْفَسَادِ، لأنَّا نَقُولُ: إِذَا تَقَابَلَتِ الْمَصْلَحَةُ والمضرة فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت ووقوع التَّلَفِ مِنَ الصنَّاع مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ وَلَا تَفْرِيطٍ بَعِيدٌ، وَالْغَالِبُ الْفَوْتِ فَوْتُ الْأَمْوَالِ، وأنَّها لَا تَسْتَنِدُ إِلَى التَّلَفِ السَّمَاوِيِّ، بَلْ تَرْجِعُ إِلَى صُنْعِ الْعِبَادِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّفْرِيطِ.

(١) انظر ص ٧٤.

1 / 102