[تمهيد]
مختصر إظهار الحق
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الأمي محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد يسر الله لي تحقيق (إظهار الحق)، لمؤلفه العلامة الشيخ: رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي العثماني الهندي، وكان هذا التحقيق على نسختي المؤلف الذهبيتين) المخطوطة والمقروءة)، وصدرت الطبعة الأولى بتحقيقي عام ١٤١٠هـ ١٩٨٩م في أربعة مجلدات، نشر الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض، ورغب إلى كثير من الزملاء أن أختصر كتاب: (إظهار الحق) في مجلد واحد، سهل العبارة، واضح الإشارة، تسهل ترجمته إلى اللغات الأخرى، ليكون سدا منيعا في وجه المنصرين، الذين يجتهدون في نشر الشبه ضد دين الإسلام، ولكن انشغالي بطباعة بعض كتبي حال دون تنفيذ رغبتهم، ثم توجت تلك الرغبات بتوجيه من الأخ الكريم الدكتور عبد الله بن أحمد الزيد، الوكيل المساعد لشئون المطبوعات والنشر بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، حيث نبهني إلى ضرورة اغتنام الوقت في هذا العمل، وبخاصة بعد أن حدثت تطورات خطيرة في العالم، جاهر فيها الصليبيون بعدواتهم للإسلام، وبرغبتهم في تنصير العالم الإسلامي خلال فترة وجيزة، عندئذ جد بي الجد لإخراج هذا المختصر، وأرجو ممن يريد ترجمته إلى أية لغة ينقل نصوص كتب العهدين من الطبعات المتداولة بتلك اللغة، لا أن يترجمها باجتهاده.
1 / 3
وقد أدخلت في هذا المختصر بعض المعلومات الإضافية للتوضيح، مثل تاريخ بعض الحوادث، وسنة وفاة بعض الأعلام، وإذا كان العلم يكتب بصيغتين، أو كانت البلدة لها اسم قديم واسم حديث، كتبت الاسمين معا، وإذا كان نفس الاسم يطلق على بلدتين، حددت المقصودة منهما، ووضحت بعض المصطلحات، وزدت معلومات عن بعض الحوادث التاريخية النصرانية والإسلامية؛ لزيادة البيان، ووضعت الحركات اللازمة على بعض الأحرف؛ لإزالة الالتباس في وجه النطق الصحيح بها، وقد وردت أسماء بعض الكتب دون ذكر أسماء مؤلفيها، فذكرت اسم المؤلف وزمان وفاته، وعززت بعض النصوص في كتب العهدين بذكرها من عدة طبعات، وتصرفت في ترتيب بعض المعلومات تقديما وتأخيرا، بما يكون نافعا للقارئ، ولا يشتت فكره، ودمجت الأبواب الثلاثة الأولى من كتاب (إظهار الحق) في باب واحد؛ ليكون بابا مستقلا في كتب أهل الكتاب وبيان أسمائها وتحريفها ونسخها، وما فعلت ذلك إلا للمصلحة المرجوة في أن يكون هذا المختصر نافعا للقارئ غاية النفع، وغير مخل بالمقصود.
فأقول وبالله التوفيق: رتب العلامة الشيخ رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي كتابه القيم - إظهار الحق - على مقدمة وستة أبواب، وفيما يلي زبدة هذا الكتاب:
د. محمد أحمد عبد القادر ملكاوي
الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود
الرياض
١ - / ١ / ١٤١٥هـ
الموافق ١٠ / ٦ / ١٩٩٤م
1 / 4
[مقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها]
المقدمة
بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها
١ - أن النقول المنقولة عن كتب علماء البروتستانت في كثير من المواضع وردت بطريق الإلزام، لا على سبيل الاعتقاد.
٢ - أن البروتستانت يغيرون كتبهم دائما، بتبديل بعض المضامين أو بالزيادة فيها أو بالنقص منها، ولذلك يقع الاختلاف الكبير بين الطبعات اللاحقة والسابقة، فعلى القارئ أن ينتبه لذلك.
٣ - لا حرج في إطلاق لفظ الغلط أو الخطأ أو الكذب على كثير من المضامين والقصص المفتراة على الأنبياء؛ لأنها من التحريف الواقع في الكتب السماوية، وليست من كلام الله تعالى، ولا يعد ذلك من قبيل إساءة الأدب إلى الكتب السماوية؛ لأن إظهار ما فيها من الكذب والتحريف، وإنكار المضامين القبيحة واجب على كل مسلم.
٤ - أن عادة علماء النصارى أنهم يأخذون الأقوال الضعيفة القليلة في كتب علماء المسلمين ويشهرونها، ثم يردون عليها، ويوهمون القارئ أن كتب علماء المسلمين مليئة بالأقوال الضعيفة، والحال أنهم يتركون الأقوال القوية ولا يشيرون إليها، وإذا نقلوا قولا فتصدر عنهم الخيانة في النقل بتحريفه أو
1 / 5
بالنقص منه، وهذه العادة من أقبح العادات، ومناقضة للأمانة العلمية في نقل أقوال المخالفين لهم، وكذلك فعل الدكتور القسيس فندر في المناظرة الكبرى التي جرت بينه وبين الشيخ رحمت الله في الهند عام ١٢٧٠هـ ١٨٥٤م، فقد طبعها باللغة الإنجليزية بعد التحريف التام لأقوال الفريقين، وفي بعض كتبه كان الدكتور القسيس فندر يترجم الآيات القرآنية ويفسرها برأيه، ثم يعترض عليها، ويدَّعِي أن التفسير الصحيح تفسيره هو لا تفسير علماء المسلمين، والحال أنه جاهل باللغة العربية وبالعلوم القرآنية جهلا تاما، ثم يطمع أن يؤخذ بتفسيره الركيك الرديء ويترك التفسير القوي المجمع عليه من علماء التفسير المسلمين.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
1 / 6
[الباب الأول بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد وإثبات تحريفها ونسخها]
[الفصل الأول بيان أسمائها وتعدادها]
الباب الأول
بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد
وإثبات تحريفها ونسخها وهو مشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول: بيان أسمائها وتعدادها.
الفصل الثاني: بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد، ولا مجال لهم أن يدعوا أن هذه الكتب المشتهرة الآن مكتوبة بالإلهام.
الفصل الثالث: بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط والتحريف.
الفصل الرابع: إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين.
1 / 7
الفصل الأول
بيان أسمائها وتعدادها اعلم أن النصارى يقسمون كتبهم إلى قسمين:
القسم الأول: يدعون أنه كتب بواسطة الذين كانوا قبل عيسى ﵇، ويسمونه العهد العتيق أو العهد القديم.
والقسم الثاني: يدعون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى ﵇، ويسمونه العهد الجديد.
ويطلقون على مجموع العهدين القديم والجديد اسم (بيبل)، وهو لفظ يوناني معناه: (الكتاب)، ويكتبون على الغلاف الذي يضم كتب العهدين اسم: (الكتاب المقدس) .
فأما العهد القديم الذي هو القسم الأول من (بيبل) كتابهم المقدس فيحتوي الآن على تسعة وثلاثين سفرا فيما يلي أسماؤها:
١ - سفر التكوين (سفر الخليقة) .
٢ - سفر الخروج.
٣ - سفر الأحبار (سفر اللاويين) .
٤ - سفر العدد.
٥ - سفر التثنية.
ومجموع هذه الأسفار (الكتب) الخمسة هو ما يطلقون عليه اسم أسفار
1 / 9
موسى الخمسة، وتسمى بـ (التوراة)، وهي كلمة عبرية بمعنى القانون والتعليم والشريعة، لكنهم الآن يطلقون التوراة إطلاقا مجازيا على مجموع كتب العهد القديم، أي على أسفار موسى الخمسة (التوراة) وملحقاتها الآتي ذكرها:
٦ - سفر يشوع (يوشع بن نون) .
٧ - سفر القضاة.
٨ - سفر راعوث.
٩ - سفر صموئيل الأول.
١٠ - سفر صموئيل الثاني.
١١ - سفر الملوك الأول.
١٢ - سفر الملوك الثاني.
١٣ - سفر أخبار الأيام الأول.
١٤ - سفر أخبار الأيام الثاني.
١٥ - سفر عزرا الأول.
١٦ - سفر عزرا الثاني (سفر نحميا) .
١٧ - سفر أستير.
١٨ - سفر أيوب.
١٩ - سفر الزبور (المزامير) .
٢٠ - سفر الأمثال (أمثال سليمان) .
٢١ - سفر الجامعة.
٢٢ - سفر نشيد الأنشاد.
1 / 10
٢٣ - سفر إشعياء.
٢٤ - سفر إرميا.
٢٥ - سفر مراثي إرميا.
٢٦ - سفر حزقيال.
٢٧ - سفر دانيال.
٢٨ - سفر هوشع.
٢٩ - سفر يوئيل.
٣٠ - سفر عاموس.
٣١ - سفر عوبديا.
٣٢ - سفر يونان (يونس) .
٣٣ - سفر ميخا.
٣٤ - سفر ناحوم.
٣٥ - سفر حبقوق.
٣٦ - سفر صفنيا.
٣٧ - سفر حجي.
٣٨ - سفر زكريا.
٣٩ - سفر ملاخي. وكان النبي ملاخي قبل ميلاد المسيح ﵉ بنحو أربعمائة وعشرين (٤٢٠) سنة.
والسامريون لا يعترفون إلا بسبعة منها: الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى ﵇، وبسفري يشوع والقضاة، وتخالف نسخة التوراة السامرية نسخة
1 / 11
التوراة العبرانية التي لليهود، وهما تخالفان نسخة التوراة اليونانية، وتوجد في نسخة التوراة اليونانية سبعة أسفار زائدة عما في التوراة العبرانية يطلق عليها: أسفار الأبوكريفا، وأسماؤها كما يلي:
١ - سفر باروخ.
٢ - سفر طوبيا.
٣ - سفر يهوديت.
٤ - سفر وزدم (حكمة سليمان) .
٥ - سفر إيكليزيا ستيكس (يشوع بن سيراخ) .
٦ - سفر المكابيين الأول.
٧ - سفر المكابيين الثاني.
وبذا تكون التوراة اليونانية محتوية على ستة وأربعين سفرا.
وأما العهد الجديد الذي هو القسم الثاني من (بيبل) كتابهم المقدس فيحتوي الآن على سبعة وعشرين سفرا فيما يلي أسماؤها:
١ - إنجيل متى.
٢ - إنجيل مرقس.
٣ - إنجيل لوقا.
٤ - إنجيل يوحنا.
ولفظ الإنجيل مختص بهذه الأسفار الأربعة، فيقال لها: الأناجيل الأربعة، وهو لفظ معرب، أصله في اليوناني (إنكليوس)، وفي القبطي (إنكليون)، ومعناه البشارة والتعليم والخبر السار. لكنهم الآن يطلقون لفظ الإنجيل
1 / 12
إطلاقا مجازيا على مجموع كتب العهد الجديد. أي على الأناجيل الأربعة وملحقاتها الآتي ذكرها:
٥ - سفر أعمال الرسل (الإبركسيس) .
٦ - رسالة بولس إلى أهل رومية.
٧ - رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس.
٨ - رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس.
٩ - رسالة بولس إلى أهل غلاطية.
١٠ - رسالة بولس إلى أهل أفسس.
١١ - رسالة بولس إلى أهل فيلبي.
١٢ - رسالة بولس إلى أهل كولوسي.
١٣ - رسالة بولس الأول إلى أهل تسالونيكي.
١٤ - رسالة بولس الثاني إلى أهل تسالونيكي.
١٥ - رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس.
١٦ - رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس.
١٧ - رسالة بولس إلى تيطس.
١٨ - رسالة بولس إلى فليمون.
١٩ - الرسالة إلى العبرانيين (وتنسب إلى بولس) .
٢٠ - رسالة يعقوب.
٢١ - رسالة بطرس الأولى.
٢٢ - رسالة بطرس الثانية.
1 / 13
٢٣ - رسالة يوحنا الأولى.
٢٤ - رسالة يوحنا الثانية.
٢٥ - رسالة يوحنا الثالثة.
٢٦ - رسالة يهوذا.
٢٧ - رؤيا يوحنا اللاهوتي (المشاهدات) .
وبهذا يكون مجموع أسفار (بيبل) الكتاب المقدس عند النصارى كما يأتي:
على حسب التوراة العبرانية:
العهد القديم (٣٩) + العهد الجديد (٢٧) = ٦٦ سفرا.
وعلى حسب التوراة اليونانية:
العهد القديم (٤٦) + العهد الجديد (٢٧) = ٧٣ سفرا.
اعلم أنه قد انعقد مجمع لعلماء النصارى بأمر السلطان قسطنطين الأول سنة (٣٢٥م) في بلدة نائس (نيقية) لإصدار حكم في الأسفار المشكوكة، فحكم هذا المجمع يعد المشاورة والتحقيق بوجوب تسليم سفر يهوديت فقط، وبرفض أربعة عشر (١٤) سفرا واعتبارها مشكوكة ومكذوبة لا يجوز التسليم بصحتها، وهي:
١ - سفر أستير.
٢ - رسالة يعقوب.
٣ - رسالة بطرس الثانية.
٤ - رسالة يوحنا الثانية.
٥ - رسالة يوحنا الثالثة.
1 / 14
٦ - رسالة يهوذا.
٧ - الرسالة إلى العبرانيين (وتنسب إلى بولس) .
٨ - سفر وزدم (حكمة سليمان) .
٩ - سفر طوبيا.
١٠ - سفر باروخ.
١١ - سفر إيكليزيا ستيكس (يشوع بن سيراخ) .
١٢ - سفر المكابيين الأول.
١٣ - سفر المكابيين الثاني.
١٤ - سفر مشاهدات يوحنا (رؤيا يوحنا اللاهوتي) .
ويظهر ذلك جليا من المقدمة التي كتبها جيروم (المتوفى سنة ٤٢٠م) على سفر يهوديت.
وبعد تسع وثلاثين سنة فقط انعقد مجمع لعلماء النصارى سنة (٣٦٤م) في بلدة لوديسيا (لاودكية)، وحكم هذا المجمع بوجوب التسليم بالأسفار السبعة الأولى (انظرها من رقم ١-٧) من الأسفار التي رفضها مجمع نيقية، واعتبار هذه السبعة صحيحة غير مكذوبة، وإبقاء السبعة الأخرى (انظرها من رقم ٨- ١٤) مشكوكة مكذوبة لا يجوز التسليم بصحتها، وأكد المجمع هذا الحكم بالرسالة العامة.
وبعد ثلاث وثلاثين سنة فقط انعقد مجمع لعلماء النصارى سنة (٣٩٧م) في بلدة كارتهيج (قرطاجة، قرطاجنة الواقعة على خليخ تونس)، وحكم هذا
1 / 15
المجمع بوجوب التسليم بالأسفار السبعة الأخرى (انظرها من رقم ٨ - ١٤) التي رفضها المجمعان السابقان واعتبراها مكذوبة ومشكوكة لا يجوز التسليم بصحتها، فهذا المجمع القرطاجي نقض حكم سابقيه، وحكم بأن جميع الأسفار المشكوكة المكذوبة هي صحيحة واجبة التسليم ومقبولة عند جمهور النصارى، وبقي الأمر على هذا التسليم والقبول مدة اثني عشر قرنا إلى أن ظهرت فرقة البروتستانت في أواسط القرن السادس عشر الميلادي، فرفضت هذه الفرقة سفر يهوديت وسفر وزدم وسفر طوبيا وسفر باروخ وسفر إيكليزيا ستيكس وسفري المكابيين الأول والثاني، وكان سفر أستير ستة عشر (١٦) بابا (أصحاحا)، فقبلت منه هذه الفرقة البروتستانتية الإصحاحات التسعة الأولى إلى نهاية الفقرة الثالثة من الإصحاح العاشر، ورفضت منه من الفقرة الرابعة إلى نهاية الإصحاح السادس عشر، واحتجت هذه الفرقة في رفضها الأسفار السابقة بما يلي:
١ - أن الأصل العبراني لهذه الأسفار مفقود، والموجود هو ترجمة لها.
٢ - أن اليهود العبرانيين لا يعترفون بهذه الأسفار (أسفار أبو كريفا العهد القديم) .
٣ - أن هذه الأسفار مرفوضة من قبل كثير من النصارى ولم يحصل الإجماع على قبولها.
٤ - أن جيروم (المتوفى ٤٢٠م) قال بأن هذه الأسفار ليست كافية لتقرير المسائل الدينية وإثباتها.
٥ - أن كلوس صرح بأن هذه الأسفار لا تقرأ في كل موضع منها.
1 / 16
٦ - أن المؤرخ يوسي بيس صرح بأن هذه الأسفار محرفة ولا سيما سفر المكابيين الثاني.
فانظر إن الكتب التي أجمع على رفضها ألوف الأسلاف؛ لفقدان أصولها وتحريفها، وكانت مردودة عند اليهود وفاقدة لصفة الوحي والإلهام، صارت عند الخلف إلهامية مقبولة وواجبة التسليم، وفرقة الكاثوليك إلى الآن تسلم بجميع كتب الأبوكريفا المشكوكة المكذوبة، سواء منها أبوكريفا العهد القديم أو أبوكريفا العهد الجديد، تقليدا لمجمع كارتهيج (قرطاجة) .
فأي قيمة لحكم الخلف بقبول ما رفضه السلف؟!
بل إن حكم تلك المجامع يعد حجة قوية لخصوم النصارى الطاعنين في صحة كتبهم وإلهاميتها.
1 / 17
[الفصل الثاني أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد]
[الادعاء بنسبة الكتب إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذه الكتب ولا وجوب تسليمها]
الفصل الثاني
بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد، ولا مجال لهم أن يدعوا أن هذه الكتب المشتهرة الآن مكتوبة بالإلهام الكتاب السماوي الواجب التسليم هو الكتاب الذي يكتب بواسطة نبي من الأنبياء، ويصل إلينا بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، أما أن ينسب الكتاب إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم فلا يكفي ذلك لإثبات أنه من تصنيف الشخص المنسوب إليه، حتى لو ادعت تلك النسبة فرقة أو عدة فرق، ألا ترى أن كتبا من العهد القديم منسوبة إلى موسى وعزرا وإشعياء وإرميا وحبقوق وسليمان ﵈، ولم يثبت بدليل ما صحة نسبتها إليهم بسبب فقدان السند المتصل لتلك الكتب؟!
وأيضا ألا ترى أن كتبا من العهد الجديد جاوزت السبعين منسوبة إلى عيسى ومريم والحواريين وتابعيهم، وتجمع فرق النصارى الآن على عدم صحة نسبتها إليهم، وعلى أنها من الأكاذيب المختلقة؟!
ثم ألا ترى أن أسفار الأبوكريفا واجبة التسليم عند الكاثوليك، وأنها واجبة الرد عند اليهود والبروتستانت؟!
إذن الادعاء بنسبة كتاب ما إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذا الكتاب ولا وجوب تسليمه، وقد طلب الشيخ رحمت الله مرارا من علماء
1 / 19
النصارى في مناظراته لهم بيان السند المتصل لأي كتاب من كتب العهدين فاعتذروا بأن سبب فقدان السند المتصل هو وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة.
فثبت أنهم يقولون في أسانيد كتبهم بالظن والتخمين الذي لا يغني شيئا، ودل امتناعهم عن الإتيان بسند متصل لأي كتاب من كتب العهدين على عدم قدرتهم على ذلك، فلو قدروا ما قصروا، وثبت بالوجه القطعي أن كتبهم فاقدة للسند المتصل، وفيما يلي حال بعض كتبهم:
[حال التوراة]
حال التوراة: إن هذه التوراة الحالية المنسوبة لموسى ﵇ ليست من تصنيفه، ويدل على ذلك عدة أمور:
١ - أن هذه التوراة انقطع تواترها قبل زمان الملك يوشيا بن آمون الذي تولى الملك سنة ٦٣٨ق. م، وأما النسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من توليه الحكم فلا اعتماد عليها؛ لأن الكاهن حلقيا هو الذي اخترعها، ومع كونها غير معتمدة فالغالب أنها ضاعت قبل أن يكتسح بختنصر بلاد فلسطين عام ٥٨٧ ق. م، ولو فرضنا عدم ضياعها ففي اكتساحه بلاد فلسطين انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق ولم يبق لها أثر، ويزعمون أن عزرا كتب بعض الأسفار في بابل، لكن ما كتبه عزرا أيضا ضاع في اكتساح أنتيوكس (أنطيوخس الرابع) بلاد فلسطين، فقد حكم سوريا ما بين سنتي ١٧٥ - ١٦٣ ق. م، وأراد أن يمحق ديانة اليهود ويصبغ فلسطين بالصبغة الهيلينية، فباع مناصب أحبار اليهود بالثمن، وقتل منهم ما بين
1 / 20
- ٨٠ ألفا، ونهب أمتعة الهيكل كلها، وقرب خنزيرة وقودا على مذبح اليهود، وأمر عشرين ألف جندي بمحاصرة القدس، فانقضوا عليها يوم السبت أثناء اجتماع اليهود للصلاة، فنهبوها ودمروا البيوت والأسوار، وأشعلوا فيها النيران، وقتلوا كل إنسان فيها حتى النساء والصبيان، ولم ينج في ذلك اليوم إلا من فر إلى الجبال أو اختفى في المغائر والكهوف. (انظر رقم (٢) ص ٩٩) .
٢ - أن اختلافات وتناقضات كبيرة جدا وقعت بين أسفار التوراة الحالية وبين سفري أخبار الأيام الأول والثاني اللذين صنفهما عزرا بمعاونة حجي وزكريا ﵈، وأجمع علماء أهل الكتاب على أن عزرا غلط لاعتماده على أوراق ناقصة، فلم يميز بين الأبناء وأبناء الأبناء، وهؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متبعين للتوراة، فلو كانت توراة موسى هي هذه التوراة الموجودة الآن ما خالفوها، وما وقعوا في الغلط الفاحش باعتمادهم على أوراق ناقصة، وأيضا لو كانت التوراة التي كتبها عزرا مكتوبة بالإلهام كما يزعمون ما وقع الاختلاف الفاحش بينها وبين سفري أخبار الأيام الأول والثاني، وبهذا ظهر جليا أن التوراة الحالية ليست هي التوراة المكتوبة في زمان موسى ﵇، ولا هي التوراة التي كتبها عزرا، والحق الذي لا شك فيه أن هذه التوراة الحالية مجموعة من الروايات والقصص التي اشتهرت بين اليهود، ثم جمعها أحبارهم بلا تمحيص للروايات، ووضعوها في هذا المجموع المسمى بكتب العهد القديم، الذي يضم الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى ﵇ والأسفار الملحقة بها، وهذا الرأي منتشر انتشارا بليغا الآن في
1 / 21
أوربا، وبخاصة بين علماء الألمان.
٣ - أن اختلافات وتناقضات صريحة في الأحكام وقعت بين أسفار التوراة الحالية وبين سفر حزقيال، فلو كانت التوراة الصحيحة هي هذه التوراة المشتهرة الآن ما خالفها حزقيال في الأحكام.
٤ - لا يظهر من أي موضع في التوراة الحالية أن كاتبها كان يكتب حالات نفسه أو المعاملات التي رآها بعينه، بل جميع عبارات التوراة الحالية تشهد بأن كاتبها غير موسى ﵇، وأن هذا الكاتب جمع الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وميز بين الأقوال، فما كان في زعمه من كلام الله أدرجه تحت قوله: (قال الله)، وما كان في زعمه من كلام موسى أدرجت تحت قوله: (قال موسى)، وعبر الكاتب عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، مثل قوله: (وصعد موسى)، (وقال له الرب)، (فمات هناك موسى)، فلو كانت التوراة الحالية من تصنيف موسى ﵇، لعبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولو في موضع واحد من المواضع؛ لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار، وهذا وحده دليل كامل على أن التوراة الحالية ليست من تصنيف موسى ﵇.
٥ - قال الدكتور سكندر كيدس الذي هو من علماء النصارى المعتمدين في مقدمة البيبل الجديد بأنه ثبت له بالأدلة ثلاثة أمور جزما:
ا- أن التوراة الحالية ليست من تصنيف موسى ﵇.
ب- أن التوراة الحالية مكتوبة في فلسطين، وليست مكتوبة في عهد موسى عندما كان بنو إسرائيل في التيه في صحراء سيناء.
1 / 22
ج- أن التوراة الحالية إما أن تكون ألفت في زمان سليمان ﵇، أي في القرن العاشر قبل الميلاد، أو بعده إلى القرن الثامن قبل الميلاد، فالحاصل أن بين تأليف هذه التوراة الحالية وبين وفاة موسى ﵇ أكثر من خمسمائة عام.
٦ - أنه علم بالتجربة أن الفرق يقع في اللسان الواحد بحسب اختلاف الزمان، فمثلا لو لاحظت لسان الإنجليز قبل أربعمائة سنة لوجدت تفاوتا فاحشا بينه وبين اللسان الإنجليزي المعروف الآن، وقد قال نورتن الذي هو من كبار علماء النصارى بأنه لا يوجد فرق معتد به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق التي كتبت بعدما أطلق بنو إسرائيل من أسر بابل، علما أن المدة الواقعة بين وفاة موسى ﵇ وبين إطلاقهم من الأسر حوالي تسعمائة عام، ولأجل انعدام الفرق المعتد بين أسلوب التوراة وبين أسلوب سائر كتب العهد العتيق فإن العالم ليوسدن الذي هو ماهر جدا باللسان العبراني اعتقد أن هذه الكتب جميعها صنفت في زمان واحد.
٧ - ورد في سفر التثنية ٢٧ / ٥ و٨: (٥) وتبني هناك مذبحا للرب إلهك مذبحا من حجارة لا ترفع عليها حديدا (٨) وتكتب على الحجارة جميع كلمات هذا الناموس نقشا جيدا) .
وورد في سفر يشوع (يوشع بن نون) ٨ / ٣٠ و٣٢: (٣٠) حينئذ بنى يوشع مذبحا للرب إله إسرائيل في جبل عيبال (٣٢) وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى التي كتبها أمام بني إسرائيل) .
فعلم من هذه الفقرات أن حجارة المذبح كانت كافية لأن تكتب عليها توراة
1 / 23