والثالث عشر هي الرطوبة والرابع عشر هي اليبوسة والخامس عشر هو الفناء عند من أثبته. فأما الذي يدل على إثبات الرطوبة واليبوسة فهو أن الجسم حصل رطبا مع جواز أن يكون يابسا أو يابسا مع جواز أن يحصل رطبا والحال واحدة والشرط واحد. فلا بد من أمر يخصص أحدهما دون الآخر، وليس ذلك إلا وجود معنيين هما الرطوبة واليبوسة على ما تقدم تحقيق ذلك في إثبات القدرة والحياة والشهوة ونفور الطبع. وقد يمكن الاستدلال على إثبات الرطوبة واليبوسة معا بكون التأليف التصاقا في بعض الأجسام دون البعض. ألا ترى أن بعض الأجسام يصعب تفكيكه علينا كالحديد والحجارة وبعضها لا يصعب تفكيكه كالقطن والصوف وما جرى مجراها، وليس ذلك إلا لحصول رطوبة في إحدى محلي التأليف ويبوسة في المحل الآخر. إذ لو عدمتا عن المحلين لصار ذلك لاحقا بالأجسام التي لا يصعب تفكيكها. ولو حصلت الرطوبة فيهما جميعا b لم يكن ذلك التأليف التصاقا كما ثبت في الطين الرطب، فإنه إذا عرى عن اليبوسة لم يصعب تفكيكه مثاله اللبن قبل يبسه وانضاجه بالنار، فإنه لا يصعب تفكيكه لعدم يبوسة أو قلتها، ولو زادت عليه النار حتى تذهب رطوبته بأسرها صار رمادا متناثر الأجزاء ولم يصعب تفكيكه، ومتى اعتدل نضحه صار أجزاء صلبا صعب التفكيك، وليس ذلك إلا لتعدل أجزاء الرطوبة واليبوسة، فكان هذا الحكم الذي هو صعوبة التفكيك دلالة على إثبات المعنيين جميعا.
Página 145