Selecciones de los Ensayos de Emerson
مختارات من مقالات أمرسن
Géneros
الكون إخراج الروح إلى العالم الخارجي. وحيثما تكون الحياة فإنها تتفجر في مظاهر حولها. علمنا حسي ولذا فهو سطحي؛ فنحن نعالج الأرض والأجسام السماوية، وعلم الطبيعة، والكيمياء، علاجا حسيا، كأنها موجودة بذاتها. ولكن هذه الأشياء ليست سوى اتباع لذلك الوجود الذي نملكه. يقول بروكلس: «إن السماء العظيمة تعرض في أشكالها المتغيرة صورا واضحة لجلال الإدراك العقلي؛ لأنها تلازم في حركتها طبيعة التفكير التي لا تظهر.» ولذا فإن العلم يتقدم دائما مع ارتفاع الإنسان الحق، متمشيا مع الدين والميتافيزيقا. أو أن ما لدينا من علم دليل على علمنا بأنفسنا. كل شيء في الطبيعة يقابل قوى روحية، فإذا بقيت أية ظاهرة مجهولة مظلمة فإن ذلك يكون مرده إلى أن القوى التي تناظرها عند المشاهد، لم تفعل فعلها بعد.
فلا عجب إذن إذا بلغت هذه المياه من العمق ما يجعلنا نحلق فوقها بنظرة دينية. وجمال الأسطورة يدل على أهمية الحس، للشاعر وللآخرين جميعا. أو إن شئت فقل إن كل إنسان شاعر بمقدار ما يتأثر بسحر الطبيعة؛ لأن الناس جميعا لديهم الأفكار التي ليس الكون سوى احتفال بها. وقد وجدت أن الفتنة تكمن في الرمز. من يحب الطبيعة؟ ومن لا يحبها؟ هل هم الشعراء وحدهم، ورجال الفراغ والثقافة، الذين يعيشون معها؟ كلا. إنما هم كذلك الصيادون والمزارعون والسائسون والقصابون، وإن كانوا يعبرون عن حبهم باختيارهم الحياة دون الألفاظ. إن الكاتب ليعجب ما الذي يقدره سائق العربة أو الصائد في الركوب وفي الخيل وفي الكلاب. إنها ليست صفات سطحية. إنك حينما تتحدث إليه تجد أنه مثلك لا يقيم وزنا لهذه الصفات. إنما عبادته عاطفية. ليست لديه تعريفات، ولكنه مسير في الطبيعة بالقوة الحية التي يحس وجودها. إنه لا يقنع بتقليد هذه الأشياء أو باللعب بها. إنما هو يحب الجد في ريح الشمال، وفي المطر ، وفي الحجر، وفي الخشب والحديد. والجمال الذي لا يفسر أثمن من الجمال الذي ندرك الغرض منه. إنه يعبد الطبيعة التي ترمز، أو الطبيعة التي تدل على ما وراء الطبيعة، أو الجسم الذي تغمره الحياة، يعبد هذه الأشياء بطقوس لا تنم عن تهذيب ولكنها مشبعة بروح الإخلاص.
وعمق هذه العلاقة وما يكتنفها من غموض تدفع الناس من جميع الطبقات إلى استخدام الرموز. وليست مدارس الشعراء والفلاسفة أشد ثملا برموزها من عامة الناس. وتستطيع أن تحصر قوة الشارات والرموز في أحزابنا السياسية. انظر مثلا إلى الكرة الكبرى التي يدحرجونها من بلطيمور إلى تل بنكر! وفي المواكب السياسية ترى لول يسير في منسج، ولن في حذاء، وسالم في سفينة. وشاهد برميل شراب التفاح، والغرفة الخشبية في السفينة، وساق شجرة الجوز، والنخيل الهندي، وكل ما يميز الأحزاب. وانظر إلى قوة الرموز القومية؛ فإن بضعة أنجم، أو زهر الزنبق، والفهود، والهلال، والسبع، والنسر، وغير ذلك من الأشكال - التي لا يعلم إلا الله وحده كيف اكتسبت قيمتها - على خرقة قديمة نسميها العلم، ترفرف في الريح، فوق حصن، في أطراف الأرض، تجعل الدماء تفور بمظهرها البدائي التقليدي. يحسب الناس أنهم يمقتون الشعر، وهم جميعا شعراء متصوفون.
وعلاوة على شيوع هذه اللغة الرمزية في العالم بأسره، فإننا جميعا نعلم قدسية المنفعة العظيمة لهذه الأشياء؛ فهي تجعل من الدنيا معبدا، أسواره مغطاة بالرموز والصور والنواهي السماوية، مما يدل على أنه ليست في الطبيعة واقعة واحدة لا تحمل المعنى الكلي للطبيعة. والفروق التي نقيمها بين الحوادث، والأمور، سافلها وعاليها، خالصها ووضيعها، تختفي عندما نستخدم الطبيعة كرمز. إن الفكر يجعل كل شيء صالحا للاستعمال. والألفاظ التي يستعملها رجل عليم بكل شيء تشتمل على الكلمات والصور التي نستبعدها من الحديث المهذب. وما هو وضيع، أو بذيء، للبذيء، يخطف السمع إذا استخدم في الحديث عن علاقة فكرية جديدة. إن تقوى الأنبياء تطهرهم من خشونتهم، والختان مثال لقوة الشعر في رفع الوضيع والآثم. والأشياء الصغيرة والوضيعة تصلح رموزا كما تصلح الأشياء العظيمة. وكلما زادت بساطة النموذج الذي يعبر عن القانون العام قوي تعبيره واشتد ثبوته في ذاكرة الناس. كما نختار أصغر الصناديق أو الحقائب لنحمل فيها الأداة التي أشد ما نكون حاجة إليها. والقوائم المجردة للكلمات تلهم العقل للتخيل الحساس؛ فقد روي عن لورد تشاتهام أنه ألف الاطلاع على قاموس بيلي حينما كان يستعد للكلام في مجلس النواب. وأتفه التجارب تغني غناء كافيا لجميع أغراض التعبير عن الرأي. فلماذا نشتهي العلم بالحقائق الجديدة؟ إن الليل والنهار، والبيت والحديقة، وقليلا من الكتب، وقليلا من الأعمال، تؤدي أغراضنا كما تؤديها جميع الحرف والمشاهد. فما أبعدنا عن استنفاد ما تدل عليه الرموز القليلة التي نستخدمها! فإننا نستطيع أن نستعملها ببساطة عجيبة. ولا حاجة إلى أن تكون القصيدة طويلة؛ فكل كلمة كانت قصيدة في وقت ما. وكل علاقة جديدة كلمة جديدة. وكذلك نستخدم العيوب والنقائص لغرض مقدس، وبذا نعبر عن إحساسنا بأن شرور الدنيا ليست كذلك إلا للعين الشريرة. ويلاحظ علماء الأساطير أن النقائص - في الأساطير القديمة - تعزى إلى الطبائع المقدسة، كما يعزى العرج لفلكان، والعمى لكيوبد، وما إلى ذلك، للدلالة على القوة والغزارة.
فكما أن الانفصال، والبعد عن حياة الإله، هو الذي يجعل الأشياء قبيحة، فكذلك الشاعر، الذي يعيد وصل الأشياء بالطبيعة، و«بالكل»، الذي يعيد وصل حتى الأشياء الصناعية، وخوارق الطبيعة، بالطبيعة، بما لديه من عمق البصيرة، هذا الشاعر يتصرف في أبشع الحقائق في يسر شديد. يرى قراء الشعر القرى الصناعية والسكك الحديدية، ويتصورون أن شعر المناظر الطبيعية تهدمه هذه الأشياء؛ لأن هذه الأعمال الفنية لم تقدس بعد في قراءتهم. ولكن الشاعر يرى أنها تنخرط في سلك النظام الشامل كما تنخرط فيه خلية النحل أو نسيج العنكبوت الهندسي؛ فالطبيعة سرعان ما تضمها إلى دوائرها الحيوية، وتحب قطار العربات المنزلق كما تحب أشياءها. والعقل المركز - فوق ذلك - لا يهمه كم من المخترعات الآلية تعرض له. فلو أضفت إليها مليونا، مما يفوق في عجبه كل ما سبق، فإن حقيقة الآلية لا تكسب مثقال ذرة. وتبقى الحقيقة الروحية دون تغيير، كثرت الجزئيات أو قلت، كما أن الجبل مهما علا ارتفاعه لا يهدم تقوس الكرة الأرضية. يذهب الصبي القروي الذكي إلى المدينة لأول مرة، ولا يرتاح المدني الهمام لما يبدي هذا القروي من قلة الإعجاب. ولا يعود ذلك إلى أنه لا يرى كل المنازل البديعة، ويدرك أنه لم ير مثلها من قبل، وإنما ذلك لأنه يتصرف فيما يرى بالسهولة التي يجد بها الشاعر مكانا لسكة الحديد. إن القيمة الرئيسية للحقيقة الجديدة هي رفع قيمة حقيقة «الحياة» الدائمة الكبرى، التي تستطيع أن تصغر إلى جانبها أي ظرف وكل ظرف آخر، والتي لا ترى فارقا بين حزام الخرز وتجارة أمريكا.
ولما كانت الدنيا تخضع للعقل هكذا فعلا واسما، فإن الشاعر هو الذي يستطيع أن ينطق بها؛ لأن الحياة قد تكون عظيمة، فاتنة، أخاذة، والناس جميعا قد يدركون الرموز التي تسمى بها هذه الحياة، إلا أنهم لا يستطيعون أن يستخدموا هذه الرموز استخداما أصيلا. إنما نحن رموز، ونسكن الرموز. العمال والعمل والآلات والأشياء، والميلاد والموت، كل أولئك شارات. ولكننا نعطف على هذه الرموز. ولما كنا نفتتن بالمنافع الاقتصادية للأشياء، فنحن لا نعرف أنها آراء. أما الشاعر فإنه - بما لديه من إدراك عقلي سام - يكسبها قوة تجعلنا ننسى ما لها من فائدة قديمة ويضع أعينا ولسانا في كل شيء أبكم لا حياة فيه. إنه يدرك استقلال الفكرة عن الرمز، واستتباب الفكر، وما يتصف به الرمز من زوال وعرض. وكما أنهم يزعمون أن عيني لينسيس كانتا تخترقان الأرض بالنظر، فكذلك الشاعر يحيل الدنيا زجاجا، ويرينا الأشياء جميعا في تسلسلها ووضعها الصحيحين؛ لأنه - عن طريق هذا الإدراك الأقوى - يقترب خطوة نحو الأشياء، ويرى سير تقلباتها، ويدرك أن للفكر صورا عدة، وأن صورة كل مخلوق تنطوي على قوة تدفعه إلى الصعود إلى صورة أعلى، ويتبع بعينه الحياة، فيستخدم الصور التي تعبر عن هذه الحياة، وهكذا يتدفق حديثه مع تدفق الطبيعة. كل حقائق الاقتصاد المادي، والجنسي، والتغذية، والحمل، والميلاد، والنمو، إن هي إلا رموز لمرور الدنيا بروح الإنسان ، كي تتعرض فيها للتغير، وتعود إلى الظهور حقيقة جديدة أعلى مرتبة. إنه لا يستخدم الصور صورا، وإنما يستخدمها كرموز للحياة. وهذا هو العلم الحق. الشاعر وحده يعرف علم الفلك، والكيمياء، والنبات، والحيوان؛ لأنه لا يقف عند هذه الحقائق، ولكنه يستخدمها كشارات. إنه يعرف لماذا انتثرت هذه الأزهار التي نسميها الشموس والأقمار والنجوم فوق سهل الفضاء أو مرعاه، ولماذا يتجمل المحيط العظيم بالحيوان والإنسان والآلهة؛ لأنه في كل كلمة ينطق بها يركب متنها كأنها جياد الفكر.
وبفضل هذا العلم يكون الشعر هو المسمي أو صانع اللغة، يسمي الأشياء أحيانا وفق مظاهرها، ويسميها أحيانا وفق مغزاها، ويعطي كل شيء اسمه الخاص لا اسما آخر. وبذلك يدخل السرور إلى العقل الذي يبتهج بالانفصال أو التحديد. الشعراء هم الذين صنعوا جميع الكلمات، ولذا فاللغة هي سجل التاريخ، أو - إن صح هذا التعبير - هي نوع من المقبرة لآلهة الشعر. وقد ننسى أصول أكثر الكلمات، إلا أن كل كلمة كانت في أول أمرها لفتة من لفتات العبقرية، ثم اكتسبت المداولة؛ لأنها في حينها كانت ترمز إلى الدنيا للمتكلم الأول وللمستمع. إن عالم الاشتقاق يجد أن أشد الكلمات مواتا كان ذات يوم صورة لامعة. اللغة شعر متحجر. وكما أن الحجر الجيري في القارة يتألف من كتل لا نهاية لها من أصداف الحيوانات الميكروسكوبية، فكذلك اللغة تتألف من الصور والمجازات التي لم تعد - في استعمالها الثانوي - تذكرنا اليوم بمنشئها الشعري. ولكن الشاعر يسمي الشيء لأنه يراه، أو يخطو نحوه خطوة أقرب من أي شخص آخر. وهذا التعبير، أو هذه التسمية، ليس فنا، ولكنه طبيعة ثانية، تولدت عن الطبيعة الأولى، كما تتولد الورقة من الشجرة. إن ما نسميه الطبيعة ليس إلا تحولا أو حركة معينة تنظم نفسها. و«الطبيعة» تعمل كل شيء بيديها ولا تترك غيرها يعمدها، ولكنها تعمد نفسها. ويتم ذلك عن طريق التحول من صورة إلى أخرى مرة ثانية. أذكر أن شاعرا معينا وصف لي ذلك فقال:
العبقرية هي الحركة التي تعوض موت الأشياء، سواء كانت في كل حد أو إلى حد ما مادية محدودة. إن الطبيعة - خلال ممالكها كلها - تؤمن نفسها. إن أحدا لا يعبأ بزراعة الفطريات الحقيرة؛ ولذا فهي تساقط من سنابل الفطرية الواحدة بذورا لا عداد لها، كل واحدة منها - إن حفظت - تنقل ملايين جديدة من البذور غدا أو بعد غد. والفطرية الجديدة في هذه الساعة لديها فرصة ليست للفطرية القديمة. وهذه الذرة من البذور يلقى بها في مكان جديد، لا تخضع للأحداث التي أتلفت البذرة التي ولدتها والتي تقع منها على بعد بضعة أمتار. الطبيعة تخلق الإنسان، وعندما تبلغ به سن البلوغ، لا تخاطر حينئذ بفقدان هذه الأعجوبة بضربة واحدة، ولكنها تفصل منه نفسا جديدة، حتى يمسي النوع في أمن من الحوادث التي يتعرض لها الفرد؛ ولذا فإن روح الشاعر - عندما تبلغ نضوج الفكر - تفصل عنها القصائد والأناشيد وتنشرها، وتلك ذرية لا تخشى ولا تنام ولا تموت ولا تتعرض لحوادث دولة الزمان الكليلة: ذرية حية لا تخاف، تكتسي بالأجنحة (وتلك كانت ميزة الروح التي نشأت عنها الذرية) التي تحملها على عجل وإلى مدى بعيد، وتثبتها في قلوب الناس ثبوتا لا يتزعزع، تلك الأجنحة هي جمال روح الشاعر. والأغاني التي تنفصل عن مبدعها الفاني وتكتسب الخلود، تتبعها نزوات من النقد، تتجمع في حشد يفوقها عدا، وتهدد بالتهامها. ولكن هذه النزوات لا أجنحة لها. وفي نهاية وثبة قصيرة جدا تسقط هذه النزوات ثقيلة، وتفسد؛ لأنها لم تتلق من الأرواح التي صدرت عنها أجنحة جميلة. ولكن أناشيد الشاعر تصعد، وتثب، وتخترق أعماق الزمان الذي لا نهاية له.
هذا ما علمنيه الشاعر، وقد استخدم فيه كلاما حرا. بيد أن للطبيعة في إنتاجها أفرادا جددا، هدفا أعلى من الضمان، وذلك هو «الصعود»، أو انتقال الروح إلى صورة أرقى. عرفت في أيام حداثتي النحات الذي صنع تمثال الشباب الذي أقيم في الحديقة العامة. وكان - كما أذكر - عاجزا عن أن يقول مباشرة ما جعله سعيدا أو غير سعيد، ولكنه استطاع القول بطرق عجيبة غير مباشرة. نهض ذات يوم - كعادته - قبل الفجر، وشاهد مطلع الصباح، جليلا كالأبدية التي انشق منها، ولعدة أيام بعد ذلك حاول أن يعبر عن اطمئنانه، فكان أن شكل بإزميله من المرمر صورة شاب جميل، فسفورس، الذي يقال إن محياه يصيب بالصمت كل ناظر إليه، وكذلك الشاعر يستسلم لمزاجه، والفكرة التي تهز مشاعره يعبر عنها بأسلوب جديد كل الجدة. التعبير عضوي، أو هو الطراز الجديد الذي تتخذه الأشياء نفسها عندما تحرر. وكما أن الأشياء - في الشمس - تطبع صورها على شبكة العين، فهي كذلك - لأنها تشارك طموح العالم بأسره - تميل إلى أن تطبع في العقل صورة من جوهرها أرق منها بكثير. فالتحول إلى الأناشيد شبيه بتحول الأشياء إلى صور عضوية أرقى. إن لكل شيء شبحا أو روحا، وكما أن صورة الشيء تعكسها العين، فكذلك روح الشيء تعكسه الأنشودة. إن البحر، وحافة الجبل، ونياجارا، وكل حوض من حياض الزهر، سابق في وجوده. أو هو موجود وجودا أعلى، في أغان سابقة، تسبح كالعطور في الهواء، وكلما مر بها إنسان ذو أذن مرهفة إرهافا كافيا استمع إليها، وحاول أن يدون النغم دون أن يفسده أو يدنسه. ومن ثم يرى النقد - الذي يصدر عن العقل - أن القصائد ترجمة فاسدة لأصل من أصول الطبيعة، عليها أن تسجله. إن الوزن في أغنية من أغانينا يجب ألا يقل إمتاعا عن العقد المكررة في الصدفة البحرية، أو ما يشبه ذلك من فروق كائنة في مجموعة من الزهور. إن تزاوج الطيور قصيدة، ليست مملة كقصائدنا، والعاصفة أنشودة طبيعية، تخلو من الباطل واللغو. والصيف، بمحصول زرعه، الذي يجمع ويخزن، ملحمة غنائية، دونها كثير من إنتاج العقل مهما كان أداؤه داعيا للإعجاب. فلماذا لا ينساب في أرواحنا التوازن والصدق الذي يسري لحنه في هذه الأشياء، ولماذا لا نشاطر الطبيعة إبداعها؟
وهذه الفراسة، التي تعبر عن نفسها بما يسمى «الخيال» ضرب رفيع من ضروب النظر، لا يتأتى بالدرس، ولكن بالعقل، الذي يوجد حيث يرى ويصبح نفس ما يرى، والذي يشارك الأشياء تحولها إلى أشكال، فيجعلها تشف عن غيرها. إن تحول الأشياء صامت، فهل تحتمل أن يصاحبها متكلم؟ إنها لا تحتمل من يتجسس عليها. أما العاشق أو الشاعر، فهو إنسان يعلو على طبيعتها، فهي تحتمله . إن شرط التسمية الصحيحة - عند الشاعر - هو استسلامه للروح المقدسة التي تتنفس خلال الأشكال، ومصاحبته لها.
Página desconocida