Selecciones de los Ensayos de Emerson
مختارات من مقالات أمرسن
Géneros
ولو كان الهيكل كله هنا
لوجدتم أن ارتفاعه ضخم جسيم،
لا يكفي سقفكم أن يحتويه.
إن كولمبس يحتاج إلى كوكب يرسم طريقه فيه. ويحتاج نيوتن ولابلاس إلى آلاف العصور ومساحات سماوية منشورة. وتستطيع أن تقول إن النظام الشمسي ذا الجاذبية تنبأت به من قبل طبيعة عقل نيوتن. وليس بأقل من ذلك ذهن ديفي أوجاي لوساك، الذي أخذ منذ الطفولة يكشف أسباب التقارب والتباعد بين الجزئيات، فتنبأ بقوانين النظام. ألا تتنبأ بالضوء عين الجنين البشري؟ ألم تتنبأ أذن هاندل بسحر الصوت المنسجم؟ ألم تتنبأ الأصابع المنشئة لوت وفولتن وهوتمور وآر كرايت بطبائع المعادن الصلبة والتي تنصهر والتي تلين، وخواص الحجر والماء والخشب؟ وألا تنبئ الصفات الطيبة للفتاة الصغيرة العذراء بما يصل إليه المجتمع المدني من تهذيب وبهاء. وهنا كذلك يجب أن نذكر فعل الإنسان بالإنسان؛ فالعقل قد يتدبر بفكره عصورا ولا يظفر بمعرفة نفسه بمقدار ما تعلمه عاطفة الحب في يوم واحد. من ذا الذي يعرف نفسه قبل أن يثور سخطه على انتهاك الحرمات، أو يستمع إلى لسان فصيح، أو ينبض قلبه مع ألوف الناس في فرح أو ذعر قومي؟ لا يستطيع إنسان أن يتنبأ بخبرته، أو أن يتكهن بالقدرة العقلية أو الشعور الذي يتفتح لشيء جديد، لا يستطيع ذلك أكثر مما يستطيع أن يرسم اليوم وجه إنسان سوف يراه في الغد لأول مرة.
ولن أذهب الآن وراء الرأي العام كي أكشف عن علة هذه المناظرة. ويكفي أن يقرأ التاريخ ويكتب في ضوء هاتين الحقيقتين، وهما أن العقل واحد والطبيعة تناظره.
ومن ثم فإن الروح تتركز وتخرج كنوزها لكل طالب بكل الطرق، ويمر الطالب كذلك بدورة التجارب كلها، ويجمع في بؤرة واحدة أشعة الطبيعة. فلا يصبح التاريخ بعد ذلك كتابا مملا، بل يسير مجسدا في كل رجل عادل حكيم. ولا تخبروني باللغات والعناوين عن بيان المجلدات التي قرأتموها، بل اجعلوني أحس أي العصور عشتم. سوف يكون الإنسان معبدا لآلهة الشهرة، يسير - كما وصف الشعراء تلك الآلهة - في رداء صورت في جميع أنحائه الحوادث والتجارب العجيبة. سوف تصبح هيئته وملامحه بذكائها البالغ ذلك الرداء المزركش. سوف أجد فيه ما قبل الدنيا، وفي طفولته العصر الذهبي، وتفاح المعرفة، ورحلات أرجونوت، ونداء إبراهيم، وبناء المعبد، وظهور المسيح، والعصور المظلمة، وإحياء الآداب، والإصلاح الديني، واكتشاف البلاد الجديدة، وفتح علوم جديدة ومناطق جديدة في الإنسان. سوف يكون الإنسان قسيس بان، ويجلب معه إلى الأكواخ المتواضعة بركة نجوم الصباح وكل ما عرف من منافع الأرض والسماء.
هل في هذا المطلب شيء من الغرور؟ إذن لنبذت كل ما كتب؛ لأنه لا فائدة في ادعاء المعرفة لما لا نعرف. ولكنه الضعف في قدرتنا على التعبير الذي لا يمكننا من تأكيد حقيقة دون أن يبدو علينا كأننا نكذب غيرنا. إنني لا أقدر علمنا الفعلي إلا قدرا رخيصا. استمع إلى الفيران في الحائط، وانظر إلى الضب فوق السور، وإلى الطحلب تحت قدمك، وإلى حشائش البحر فوق الكتل الخشبية. ماذا أعرف عن هذه العوالم الحيوية معرفة فيها عطف ولها مغزى؟ منذ الإنسان القوقازي - وربما أقدم من ذلك - كانت هذه المخلوقات تمد هذا الإنسان بالمعرفة، ولكن ليس هناك سجل لأية كلمة أو إشارة مما انتقل منها إليه. أية علاقة تفصح عنها الكتب بين الخمسين أو الستين عنصرا كيمائيا، وبين حقب التاريخ؟ بل ماذا يسجل التاريخ حتى الآن عن التاريخ الميتافيزيقي للإنسان؟ وأي ضوء يلقيه على تلك الألغاز التي نخفيها تحت اسم الموت والخلود؟ ومع ذلك فإن كل تاريخ ينبغي أن يكتب بحكمة تقدر علاقة الإنسان بغيره من الأشياء حق قدرها وتنظر إلى الحقائق كرموز. وإني ليخجلني أن أرى أن ما نسميه التاريخ ليس سوى قصة قروية تافهة. كم مرة ينبغي لنا أن نذكر روما وباريس والقسطنطينية! ماذا تعرف روما عن الفأر والضب؟ وماذا تكون الأولمبياد والقنصليات إذا قيست إلى نظم الكائنات التي تجاورنا؟ بل وأي طعام أو خبرة أو معونة تقدمها هذه الأشياء لصائد العجل البحري من الإسكيمو، أو لكتاكا في الزورق، أو لصائد السمك، أو لعمال الشحن والتفريغ في السفن، أو للحمالين؟
إنما ينبغي أن نكتب تاريخنا في صورة أشمل وأعمق - فيصدر عن رغبة في الإصلاح الخلقي، وعن تدفق الضمير الأزلي والأبدي - إن أردنا أن نعبر في صورة أصدق عن طبيعتنا الأساسية ذات العلاقات المتشعبة، بدلا من هذه الصورة العتيقة لسرد وقائع الأنانية والكبرياء التي أعرناها أنظارنا مدى طويلا. هذا اليوم ماثل أمامنا فعلا، ويشرق علينا على غير انتظار، ولكن طريق العلم والأدب لا يؤدي إلى الطبيعة. إن الأبله، والهندي، والطفل، وابن الفلاح الذي لم يتعلم في مدرسة، أقرب في موقفهم إلى الضياء الذي تطالع فيه الطبيعة من ذلك الذي يحلل الآثار القديمة.
الاعتماد على النفس
لا تجشم نفسك مشقة البحث فيما وراءها.
Página desconocida