Selecciones de los Ensayos de Emerson
مختارات من مقالات أمرسن
Géneros
قال لي مصور إن أحدا لا يستطيع أن يرسم شجرة دون أن يصبح شجرة في صورة ما، أو أن يرسم طفلا بمجرد دراسة تخطيط هيئته، أما إذا لاحظ لفترة ما حركاته وألعابه فإنه يدخل طبيعته، ويستطيع عندئذ أن يرسمه إن أراد في كل موقف. هكذا دخل روس «أعمق أغوار طبيعة الأغنام». وقد عرفت رساما يشتغل بمساحة الأرض يقول إنه لم يستطع تخطيط الصخور إلا بعد أن شرح له أولا تكوينها الجيولوجي. وفي حالة واحدة من حالات التفكير يكون الأصل المشترك لأعمال غاية في التنوع؛ فالروح هي التي تتكرر على صورة واحدة وليست الوقائع. ويستطيع الفنان أن يبلغ القدرة على إيقاظ الأرواح الأخرى كي تقوم بعمل معين بسعة إدراكه، لا بمعرفته المضنية بكثير من المهارات اليدوية.
ولقد قيل: «إن أرواح العامة تستوفي حقها وفقا لما تعمل. أما الأرواح الأنبل فتستوفي حقها وفقا لما تكون عليه.» لماذا؟ لأن الطبيعة العميقة توقظ فينا بفعالها وكلماتها وبنظراتها وسلوكها النفوذ والجمال عينهما اللذين يوجههما إلينا متحف للنحت أو للتصوير.
ينبغي أن نفسر التاريخ المدني والتاريخ الطبيعي، وتاريخ الفن، وتاريخ الأدب، بتاريخ الفرد، أو تبقى هذه التواريخ كلمات مجردة. ليس هناك شيء لا يتصل بنا، أو لا يهمنا، من الملكية إلى الكلية، والشجرة، والجواد، والحدوة الحديدية، فإن جذور كل شيء في الإنسان. وليس سانتا كروتشي وقبة القديس بطرس سوى نسخ عرجاء من نماذج مقدسة. وكتدرائية ستراسبورج صورة مادية لروح أروين الاستنباخي. والقصيدة الصادقة هي عقل الشاعر، والسفينة الصادقة هي بناء السفينة. ولو استطعنا أن نكشف عن الإنسان، رأينا علة آخر زهرة أو ثمرة من عمله، كما أن كل شوكة أو لون في القوقعة المائية قد سبق وجوده في أعضاء السمكة المفرزة. وفي آداب المجاملة تجد كل فنون الدروع والفروسية. والرجل ذو الآداب الرفيعة ينطق باسمك بكل الزخرفة التي تستطيع أن تضيفها إليه ألقاب الشرف.
إن التجربة التافهة التي تمر بنا كل يوم تحقق دائما لنا قولا سابقا، وتحول إلى الأشياء الكلمات والإشارات التي سمعناها أو رأيناها دون أن نلقي إليها بالا. قالت لي سيدة كنت أركب معها في الغابة إن الغابات تبدو لها دائما كأنها «على انتظار» كأن الجن الذي يقطنها قد أوقف أعماله حتى يمر بها عابر السبيل ويمضي. وهي فكرة حفل بها الشعر في رقص الجنيات اللائي يتوقفن عن الرقص عند اقتراب أقدام بشرية. والرجل الذي يرى القمر المشرق يشق السحاب في منتصف الليل يشبه في هذا رئيس الملائكة الذي شهد خلق الضياء وخلق الدنيا. أذكر ذات يوم صائف في الحقول أن رفيقي قد وجه التفاتي إلى سحابة ربما امتدت ربع ميل بحذاء الأفق، وهي على هيئة الملاك الصغير تماما كما يصور في الكنائس، كتلة مستديرة في الوسط، من السهل أن تبعث فيها الحياة بثغر وعينين، وأن نسندها من الجانبين بجناحين متماثلين منتشرين. وما يظهر مرة في الجو قد يظهر مرارا. ولقد كان ذلك المنظر بغير شك النموذج المثالي لذلك الزخرف المألوف. وشهدت في السماء سلسلة من برق الصيف، فتذكرت في الحال أن الإغريق رسموا من الطبيعة عندما صوروا الصاعقة في يد جوف. ورأيت كومة ثلجية على جوانب الحاجز الحجري هي التي قطعا أوحت بفكرة بناء البروج.
إذا أحطنا أنفسنا بالظروف الأصلية اخترعنا من جديد قواعد فن البناء وزخرفته، كما كان كل قوم يزينون مساكنهم الأولية وحدهم. إن المعبد الدوري يحتفظ بالشبه بينه وبين الكوخ الخشبي الذي كان يقطنه الرجل الدوري. وليس المعبد الصيني إلا مجرد سرادق تتري. والمعابد الهندية والمصرية ما زالت تنم عن الأكمات والبيوت المنحوتة تحت الأرض التي كان يقيم فيها آباؤهم. ويقول هيرن في بحوثه عن الإثيوبيين: «إن عادة إنشاء البيوت والمقابر في الصخر الحي عينت بطريقة طبيعية جدا الصفة الأساسية في فن البناء النوبي المصري، فاتصف بضخامة الشكل التي عرفت عنه. في هذه الكهوف التي أعدتها الطبيعة تعودت العين أن تحدق في أشكال وكتل ضخمة، حتى إذا ما جاء الفن لمعونة الطبيعة لم يستطع أن يسير في نطاق صغير دون أن يحط من شأن نفسه. وماذا تكون التماثيل ذات الحجم العادي، وماذا تكون السقوف والأجنحة البسيطة إذا قيست بتلك الأبهاء الهائلة التي لا تستطيع أن تحرسها - أو أن تستند إلى عمدانها الداخلية - سوى التماثيل التي تفوق الحجم الطبيعي؟»
ومن الجلي أن الكنيسة القوطية نشأت من اقتباس أشجار الغابة بكل أغصانها اقتباسا ساذجا، ورسم الممرات ذات الأعمدة التي تستخدم في الاحتفالات والمناسبات الدينية على صورتها. ولا زالت الأطواق حول الأعمدة المشقوقة تدل على فروع الصفصاف الخضراء التي كانت تطوق الأشجار. ولا يستطيع أحد أن يسير في طريق شق في غابات الصنوبر دون أن يذهله مظهر الغابة الذي يوحي بفن البناء، وبخاصة في الشتاء، حينما تدل تعرية جميع الأشجار الأخرى على الأقواس السكسونية المنخفضة. وإذا سرت في الغابات في أصيل يوم من أيام الشتاء رأيت كذلك لتوك منشأ النافذة الزجاجية الملونة التي تتحلى بها الكاتدرائيات الغوطية في ألوان السماء الغربية التي نشاهدها خلال أغصان الغابة المتشابكة الجرداء. ولا يستطيع إنسان يحب الطبيعة أن يدخل خلال الأعمدة الخشبية القديمة في كاتدرائية أكسفورد والكاتدرائيات الإنجليزية دون أن يحس أن الغابة قد تسلطت على عقل البناء، وأن إزميله ومنشاره ومسحجه ما برحت تحاكي نباتها، وأشواك زهورها، وخرنوبها، وأشجار الدردار والبلوط والصنوبر والشوح والتنوب الفضي فيها.
الكاتدرائية الغوطية حجر مزهر خاضع إلى الرغبة الملحة في الانسجام عند الإنسان، تلك الرغبة التي لا تقنع. إن جبل الجرانيت يتفتح عن زهر خالد، فيه من جمال الخضرة الخفة ودقة الإبداع، كما فيه النسب السماوية والمنظر السماوي.
وكذلك يمكن إفراد جميع الحقائق العامة، وتعميم جميع الحقائق الخاصة. عندئذ يصبح التاريخ في الحال مستساغا وصادقا، وعلم الحياة عميقا وساميا. وكما أن الفرس حاكوا في فروع بنائهم وأصوله ساق اللوتس والنخلة وثمارها، فكذلك البلاط الفارسي في أعظم عهوده لم يتخل البتة عن بداوة القبائل البربرية، بل تنقل من أكباتانا حيث كان يقضى الربيع إلى سوزا في الصيف وبابل في الشتاء.
وفي تاريخ آسيا وأفريقيا القديم كانت البداوة والزراعة حقيقتين متعارضتين. كانت طبيعة البلاد في آسيا وفي أفريقيا تتطلب حياة بدوية. غير أن البدو كانوا سببا لفزع أولئك الذين دعتهم إلى بناء المدن طبيعة التربة أو مزايا السوق؛ ومن ثم كانت الزراعة مما يوصي به الدين بسبب المخاطر التي تتعرض لها الدولة من البداوة. وفي إنجلترا وأمريكا، هذين القطرين المتمدنين اللذين جاءا مؤخرا في التاريخ، ما زالت هذه الاتجاهات تقاتل المعركة القديمة في الأمة وفي الفرد. كان هجوم ذباب المواشي الذي تجن له الماشية يرغم البدو في أفريقيا على التجول، فتضطر القبيلة إلى الهجرة في موسم الأمطار وإلى سوق الماشية إلى المناطق الرملية العليا. وكان البدو في آسيا يتابعون المراعي من شهر إلى شهر. وفي أمريكا وأوروبا تتخذ البداوة صورة التجارة وحب الاستطلاع، وهو تقدم بالتأكيد من ذباب سطابوراس إلى الجنون الإنجليزي والإيطالي بخليج بوسطن. والمدن المقدسة التي كان يتحتم الحج إليها في فترات معينة، والقوانين والعادات الصارمة التي كانت تميل إلى تقوية الرابطة القومية، كانت توقف المتجولين القدماء عند حد، والقيم التي تجمعها الإقامة الطويلة هي الأغلال التي تقيد حب التجول في العصر الحاضر. وليس العداء بين الاتجاهين بأقل نشاطا في الأفراد؛ فقد يسود حب المغامرة أو حب الحياة الوادعة. والرجل ذو الصحة القوية والروح الفياضة يميل إلى سرعة التنقل في إقامته؛ فهو يعيش في عربته، ويطوف خلال الأرض من شمالها إلى جنوبها في سهولة، وفي البحر أو في الغابة أو فوق الثلوج ينام في دفء ويأكل في شهية طيبة ويعاشر في سعادة، كأنه إلى جوار مدخنته. وربما كانت حياته أشد يسرا كلما اتسع الأفق أمام قدرته على الملاحظة، تلك القدرة التي تعطيه موضوعات يهتم بها كلما وقعت عيناه على شيء جديد. كانت الأمم الرعوية محتاجة جائعة إلى حد اليأس، وهذه البداوة العقلية - إذا بولغ فيها - تفلس العقل بتبديدها القوى على موضوعات متنوعة، في حين أن العقل الذي يلزم موطنه يتصف بالزهد أو بالقناعة التي تجد كل عناصر الحياة فوق تربته، ويجد مخاطره في الملل والانهيار إذا لم يحفزه باعث من الخارج.
كل ما يراه الفرد خارج نفسه يقابل حالاته العقلية، وكل شيء بدوره يكون مفهوما له بمقدار ما يسوقه تفكيره الجريء إلى الحقيقة التي تنتمي إليها تلك الواقعة أو تلك المجموعة من الوقائع.
Página desconocida